/>head> tags كاد المعلم أن يكون قتيلا.
U3F1ZWV6ZTM4NzI4NTMzMTQzODI4X0ZyZWUyNDQzMzMwNzU5Njc1MA==

كاد المعلم أن يكون قتيلا.

كاد المعلم أن يكون قتيلا

كفى من العنف ضد المعلمين

لقد أبدع أمير الشعراء أحمد شوقي شعرا عرفانا منه لدور المعلم في تربية النشئ فأنشد قائلا: (قم للمعلم وفّه التبجيلا ~ كاد المعلم أن يكون رسولا)، ولو جرّب الشاعر شوقي أن يكون معلّما في الوقت الحاضر، لقال مثل قول الشاعر إبراهيم طوقان حين كتب: (لا تعجبوا إن صِحْتُ يوما صيحةً ~ ووقعتُ ما بين الفصول قتيلا)، وذلك نتيجة انتشار حالات اعتداء التلاميذ على المعلمين داخل فصول الدراسة في غالبية الدول العربية، مع توثيق الاعتداءات بالصورة والصوت والحرص على النشر في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي.

لا يمكننا الوقوف عند تشخيص سبب بعينه لتفسير مثل هذه الاعتداءات وغيرها من الإساءات لرجال ونساء التعليم، سواء كانت بالإهانة المباشرة، أو بإطلاق الإشاعات التي هي بمثابة إذاعات داخل الأقسام المدرسية، أو بواسطة الاعتداء الجسدي والتحرش اللفظي والتهديد والتخويف، بل وصل الحد إلى التربّص للمعلمين والمعلمات، أمام أبواب المدارس، أو تكليف من يقوم بذلك، مع انخراط أولياء التلاميذ أنفسهم أحيانا في عمليات الانتقام.

إذا كانت الأسباب متعددة ومتجددة حسب الأجيال، فلأن مدرسة الأمس بتلاميذها ومعلميها ليست هي مدرسة اليوم، والتشخيص يؤكد على تدهور حالة المنظومة التربوية في دولنا العربية، بمقارباتها ومناهجها ومشاريعها الاستعجالية، ممّا أثّر سلبا على التربية وعلى جودة التعليم ببلادنا.

 لقد انصبّ اهتمام الجميع اليوم أثناء متابعة حالات العنف المتبادل داخل الأقسام الدراسية، على الشريكين الأساسيين هما التلميذ و المعلم (ة)، فحمّل البعض المسؤولية للتلاميذ الذكور في المدارس العمومية، لكونهم أكثر ميلا للعنف من الإناث، على أساس أنهم يطبقون في المدرسة الأسلوب الذي تربّوا عليه في البيت وفي البيئة وفي الحي، على اعتبار أن العنف في نظرتهم المراهقة، ما هو إلا دليل على الرجولة ولحب الظهور، خصوصا في فترة المراهقة التي ترافقها العديد من التغييرات النفسية والجسدية والاجتماعية، خصوصا وأن غالبيتهم تعيش في بيئة اجتماعية تعرف توسعا كبيرا في مظاهر العنف اليومي، الذي يمارسه الآباء على الأمهات وكذلك الأبناء، وأيضا ما يرونه رأي العين من عنف في الملاعب وفي الشوارع، مما يترك بصمات عميقة في شخصية التلاميذ، فأصبحوا نماذج بشرية غير متجانسة في أقسام الدراسة، تعتدي على الزمان والمكان، بحيث يجلس فيها التلميذ العنيف والمشاكس إلى جوار الثرثار والمعارض الدائم و غير المهتم، إضافة إلى الذي يقاطع المعلم دائما بلا سبب، وكذلك التلميذ المتأخر عن الحضور وصديقه المخرّب الذي يفضّل الجلوس قرب القائد المستبد برأيه وغيرهم ممن تحتضنهم المنظومة التربوية العربية.

 يرى آخرون أن لبعض المعلمين نصيب من المسؤولية في خلق مناخ يساعد على تفشي العنف المتبادل قرب السبورة السوداء، وحجتهم في ذلك أن بعضهم تنقصه المعلومات الكافية عن كيفية التعامل مع المراهقين بالوسائل التربوية والتواصلية الحديثة، ومنهم من لم يستطع الخلاص من الطرق البيداغوجية الكلاسيكية المفروضة عليهم، وآخرون لم يستفيدوا من دورات إعادة التكوين للإطلاع على أساليب تعليم الكبار في مجال "الأندراغوجيا"، لأجل الإلمام بخصوصيات دينامية جماعة القسم، وبطرق وقواعد وأدبيات إدارة أزمات القسم.

 بالإضافة إلى ما سبق، يتواجد ضمن هيئة التدريس المعلّم السلطوي والآخر غير الديمقراطي، وفي القسم الثاني يتواجد النمط غير المبالي، والمعلم موضوع العدوانية سواء كان ضحية أو معتدي وغيرهم من الأنماط. فإذا أضفنا إلى ذلك الجمود والملل في المناهج، وسيادة تقنيات التنشيط القديمة والمرتكزة فقط على المعلم كمصدر وحيد لتحقيق الأهداف على حساب الكفايات، وأيضا في غياب تام لإدماج التلاميذ في صيرورة الدرس بأساليب المناقشة الجماعية، أو تقنية المشروع أو العصف الذهني، أو دراسة الحالة أو عمل المجموعات بطريقة فيليبس، أو مواقف التمثيل، وذلك بحجة ضيق الزمن المدرسي وانعدام الوسائل والحوافز، وكلها ظروف عطّلت جهاز المناعة ضد العنف في المدارس.

 لقد أصبحت البيئة التعليمية اليوم غير آمنة، في غياب الشدّة المبالغ فيها في الماضي وحضور التراخي في الحاضر والعقاب المؤدب. فأصبح العنف وأمسى ضد هيئة التدريس من الأخطار المهنية المتجددة في داخل الفصول الدراسية، فأصبح المعلم لا يعيش طويلا جراء توتر الأعصاب وكثرة الأمراض، وأصبح التلميذ فتى الأدغال المشاكس لا يجيد سوى الضّرب وإعراب جملة : ضرب التلميذُ المعلّمَ في القسم.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة