أمّة إقرأ لا تقرأ
يوم الجمعة 13 أكتوبر هو اليوم الوطني لمحو الأمية في المغرب، سيحتفلون به في عالم أصبحت فيه القوة المعرفية أهم بكثير من القوة الاقتصادية أو العسكرية أو التكنولوجية، وأصبح لزاما على كل المجتمعات البشرية التي تروم التقدم والرقي، الانخراط في مشاريع تحرير أفرادها من شبح الجهل، بتأهيلهم والارتقاء بمداركهم ومعارفهم، استعدادا لإدماجهم في الحياة العملية، ومسايرة الركب الحضاري.
ومن هذا المنطلق، وإيمانا منه بكون الأمية آفة خطيرة قد تهوي بالمجتمع نحو الانحطاط والتخلف، وتعرقل كل أسباب التطور والازدهار، انطلق المغرب منذ فجر الاستقلال في مبادرات وحملات محلية ووطنية، تهدف إلى التقليص من هذه الآفة، وتأهيل المواطن المغربي ليواكب ما يعرفه العالم من تحولات الخ.
هذه المقدمة وما شابهها ظلت تتربع على صفحات الاستراتيجيات الوطنية وتقارير الحصيلة السنوية لبرامج محاربة الأمية منذ الحملات الأولى في الستينيات، ومنذ تعاقب العديد من القطاعات الوصية على هذا الملف كالشبيبة والرياضة، التعاون الوطني، الصناعة التقليدية، الشؤون الاجتماعية، التشغيل والتكوين المهني، التربية الوطنية، كتابة الدولة المكلفة بمحو الأمية وأخيرا الوكالة الوطنية لمحاربة الامية.
ملف خطير ظلّت تتلاعب به العديد من التشكيلات الحكومية والقوى السياسية، من الأغلبية إلى المعارضة، كأنه ابن لقيط، يتكفل به في كل مرة حسب سياسي، في انتظار تفويته بسرعة إلى آخر كالقابض على الجمر، وذلك أمام استغراب أكثر من عشرة ملايين أمي مغربي من الجنسين، أغلبهم من النساء في الوسط القروي.
كل أب غير شرعي من القطاعات المتعاقبة على تدبير ملف نحو الأمية، ظل يراوح مكانه، وذلك بترويج أرقام بعيدة كل البعد عن الواقع، بحيث يقدم حصيلة في نهاية السنة، هي عبارة عن أرقام المسجلين في اللوائح في بداية الموسم الدراسي، سواء التحقوا بالأقسام أو عجزوا عن إتمام الدروس، بدل الإدلاء بأعداد الناجحين، وهؤلاء يعودون لتسجيل أسمائهم في برامج السنة الموالية، ما دامت حصيلتهم المعرفية لا تتطابق مع تعريف اليونسكو للمتحررين من الجهل.
تنوعت المقاربات وتعدد المتدخلون، فأخذت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية حصتها من النساء الأميات، اللواتي يمنعهن أزواجهن من الاستفادة من برامج الدروس لدى الجمعيات، فأجلستهن الوزارة على الحصير في المساجد، مما يخالف خصوصيات تعليم الكبار، ويؤثر في التعاطي الإيجابي مع ظروف التكوين السليم.
أما البرنامج العام، فينفذ مباشرة من طرف الوكالة المذكورة، و يتم داخل أقسام المؤسسات التعليمية، بحيث يجلس الكبار بصعوبة أمام نفس الطاولات المخصصة أصلا للصغار، والتي ما زالت مقاعدها ساخنة، وفي كل مرة، تراهم يحاولون تغطية الرسومات الطفولية التي رسمها ونحتها الصغار على الطاولات، مستعملين الدفاتر والسبورات من شدة الخجل.
أما الباقي فتتسابق جمعيات المجتمع المدني لتقديم أسمائهم، بغية الفوز باتفاقيات شراكة مع الوكالة قصد الحصول على مقابل مادي لا يستهان به، مقابل القيام بتقديم الدروس داخل مراكز تفتقر أغلبها للتجهيزات الأساسية، وما تبقّى من الباقي تتكفل به بعض القطاعات الحكومية عبر برامج موجهة للأشخاص المنتسبين إلى القطاعات، أو المستفيدين من خدماتها، ولا حاجة لذكر العدد القليل من المقاولات التي تنخرط في مسلسل محو أمية مستخدميها وعمّالها.
إن الحصيلة الرقمية لأعداد المتحررين من الأمية، ستظل دون المستوى المطلوب، في ظل التمثلات السلبية السائدة في المجتمع حول فكرة التعليم والتعلّم، ونظرا كذلك لتدني الواقع المعيشي وعدم الشعور بأهمية التعلّم ولو في الكبر، وجدواه الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، إضافة إلى افتقار معظم منشطي ومنشطات برامج محو الأمية إلى التكوين وإعادة التكوين، الذي يمكنهم من اكتساب الكفايات والمؤهلات الخاصة بمجال الأندراغوجيا، أضف إلى ذلك هزالة التعويضات وعدم انتظامها، وانعدام التحفيز وتهافت أغلب الجمعيات للظفر بالاتفاقيات، والإهتمام بالكم عوض الكيف، وفي ظل استمرار الارتداد والتسرب و غياب المشاريع المدرة للدخل.
في ظل هذه الظروف الراهنة، لا زالت الحكومات المتعاقبة تمنّي النفس بحلم القضاء على هذه الآفة في أفق سنة 2024، إنه حلم من الصعب تحويله إلى واقع، نظرا لغياب القرار السياسي الصريح الذي يرقى بمحاربة الأمية إلى مصاف الأولويات الوطنية، وفي غياب الرغبة في تجفيف المنابع التي تجود علينا كل سنة ب 218 ألف تلميذ وتلميذة من ضحايا الهدر المدرسي، وكذلك انعدام الرقابة والمتابعة التي حولت هذا الملف إلى مرتع للفساد ونهب المال العام ومال المساعدات الخارجية، ممّا مكّن البعض من التستر على المفسدين من المسؤولين الجهويين والمركزيين حتى أصبح الجميع يلعن الفساد، ويحترم الفاسدين.
إرسال تعليق