أسلحة ضد الشغـب المنزلي
كتبت بعض الأقلام سطورا كثيرة عن أنواع أسلحة
الدمار النفسي الشامل، التي استعملت قديما، بنية مبيّتة في البيوت المغربية
التقليدية، فأوقعت العقاب على الأبناء من جانب الآباء، وذلك في إطار ما يسمّى بالتأديب الجارح، والتعنيف المتكرر، في حضور الرهبة والخوف، الذي
أدّى أحيانا إلى عكس المراد منه.
لا أحد ينكر مستوى الشغب البيتي الذي ساد جميع البيوت المغربية من قبل
الجيل السابق، الذي كان يسود
ويحكم، في بيوت مكتظة بعدد الأبناء والأقرباء، مع ضيق
المساحة وتواضع الإمكانيات المادية والاجتماعية، وفي ظل القيود الصارمة والنمط
الرتيب الذي يميل إلى الطاعة والسكينة. بحكم كل ذلك، أصبح المنزل حلبة للضجيج
والصخب والشغب الطفولي. وبما أن الأم بحكم مسؤولياتها الكثيرة وقربها من أبنائها،
تجد نفسها دائما مرغمة على اللجوء إلى استعمال أسلحتها الخاصة، للردع والتصدي لكل
أعمال الشغب التي تتجاوز المقادير المسموح بها.
عندما يحضر أبطال الشغب على
أرضية الملعب، تبدأ العمليات التسخينية بالجري والحركات السريعة لأمام مرأى ومسمع
الضيوف. تعرف الأم بتجربتها أن الشوط سيكون حامي الوطيس، وبأعصاب باردة، تقوم الأم بالعضّ على شفتيها، وهي إشارة مشفّرة
وصامتة موجهة لقائد الفريق كي يكف عن اللعب، وعليه فورا أن يفك تلك الشفرة، والتي
تحمل أكثر من تهديد عن بعد، وعلى المشاغب أن يتخيّل أي مصير في انتظاره في حالت ما
إذا تمادى هو وفريقه في الشغب والضوضاء.
فعلا قد يتمادى الطفل المشاغب في اللعب
بأعصاب الأم. وعندما يحقّق الهدف، وحينما يحسّ أن ساعة اعتقاله قد دقّت، يخرج هاربا
بأرجل حافية. وبعد عودته الحتمية إلى المنزل، ومهما حاول الفرار بجلده، فسيتبعه
العذاب النفسي ليمسك به من رقبته الصغيرة، وسيبقى المشاغب على أعصابه منتظرا
ومتخيلا نوع العقاب ومكانه ومدّته، ونوع الأداة التي ستنال نصيبها منه، فيبدأ عقله
الصغير باستعراض ما في البيت من أدوات الضرب والجمع والكسّ الممكن استخدامها فوق
جسمه للتّأديب أو الإصلاح أو الرّدع. ولو كان من الذين يجيدون الدعوات والإبتهالات
لقال:" اللهم لا نسألك رد القدر ونسألك اللطف فيه".
ومن الأسلحة المستعملة يوميا الصفعة، وتسمّى عندنا
في المغرب أيضا بـ (الطّرشة)، وسميت كذلك، لأن المضروب فيه قد يصبح أطرشا لمدة، فلا يقدر على
الاستماع إلاّ إذا زال الطنين في أذنيه من تلقاء نفسه، وهي من عيار خمسة أصابع،
سلاح قريب المدى يجعل الدنيا تدور حولك مثل دوران
الأرض، وعند وصولها من حيث لا تدري، تترك أثرها المدمّر
على الخدود الفتية. تستعمل في حالة القلق الزائد والنرفزة
الفورية، وقد تكون (الطرشة) قويّة إذا جاءت من يد أبوية لا تحمل أية بصمات، بحيث تؤدي إلى خروج
شمع الأذن الزائد أو المتيبّس من الأذن الأخرى.
والحذاء أيضا سلاح المشاة خفيف الوزن، من صنف (الصّنْضالة) أو النعالة. فهو من الأسلحة بعيدة المدى العابرة للمسافات داخل الحجرات، وهو كما نعلم متعدد العيارات والمقاسات، وذلك حسب حجم الأرجل التي
تمشي في المنزل. يمكن استعماله في عدة أشكال وعلى مستويات وارتفاعات متعددة، فهو
إما سلاح قريب المدى، ينزل عليك من كل الجهات حينما تكون محاصرا في ركن المنزل بعد
المطاردة السريعة، فيكون نصيب الجزء المكشوف من أطرافك السفلى، أكبر من نصيب الظهر
والرأس، وذلك لكون المعتدي يحرص على إخفاء آثار الضربات الملوّنة التي قد تصبح
مدرّة للعطف أو مدرة للدخل. ومن خصائص
(الصّنْضالة) كونها قادرة على
الطيران إلى مسافة طويلة، إذا
كنت بعيدا عن متناول اليد، وفي حالات هروبك النادرة، فسيصلك نصيبك من صاروخ
أرض أرض الموجّه بقوة اليد، يستحيل تفاديه لسرعته الكبيرة.
وعندنا أدوات خاصة بالحصّة
التأديبية الكلاسيكية. فهناك أيضا الحزام المصنوع من الجلد، ويسمى بالدارجة (السّمْطة)، ولا علاقة لها بحزام
السلامة في السيارة. وهي غير محرّمة دوليّا، وغير منصوص عليها في اتفاقيات حقوق الصبيان
عند عقوق الوالدين. خطورتها تكمن في تلك القطعة
الحديدية المربّعة أو الدائرية والمعروفة ب ( لَبْزيمْ).
يتميز هذا الثعبان متعدد الألوان، بأنه محمول
من طرف الآباء طوال اليوم ومتعدّد المهام، فيحملون به سراويلهم ويضربون به أبنائهم،
لأنّه يلتفّ كالثعبان حول جسم فريسته، فتزداد رقعة المساحة المضروبة به، ليتمدّد
الألم تحت الثياب كالوشم على الجلد، وتبدأ الشفاه الصغيرة في ترديد قسم حسن السّيرة
وعدم العودة للشغب مرة أخرى، لكن ولا من يجيب.
أما (القرْصة) بالعامية المغربية، فهي عقوبة
نسائية بامتياز، لكونها عبارة عن ضغط قوي
بواسطة أصابع الإبهام والسبّابة، على جزء من الجسم فيه لحم بدون عظم، وذلك لإحداث
الألم في أجساد أخواتنا وجاراتنا، وبنات الأخ وبنات الأخت. هي سلاح من أسلحة القرب والقرابة، سرّي وخفي،
صامت وشديد الفعالية، لكونه من عيار أصبعين فقط، يستخدم في أسلوب العقوبة السريّة
خصوصا أمام الضيوف، وغالبا ما تستهدف (القرْصة) الفخذين، وبعد أنين الألم، تنتقل البنات إلى ركن خاص، لتطّلع على تلك
العلامة الزرقاء التي هي طبعا رمز للجودة.
لسنا في عرض عسكري لعرض
المزيد من الأسلحة كالعض وشذ الشعر وقذف الأطباق والصحون البلاستيكية الطائرة. فكلّنا مرّ بتجارب لا يستهان بها، أو حكايات من الشغب مع أمهاتنا
وآبائنا، ستتذكرها ذاكرتنا النّائمة، لتعيد لنا نفس الصور ولو بالأسود والأبيض.
ومع ذلك، سنظل ندعوا الله بأن يرزقنا رضا أمهاتنا، وأن يرزقهن الصحة والعافية، ويرحمهنّ
إن اختارهن الله إلى جواره أمين يا رب العالمين.
إرسال تعليق