/>head> tags يوميات المتقاعدين بالمغرب.
U3F1ZWV6ZTM4NzI4NTMzMTQzODI4X0ZyZWUyNDQzMzMwNzU5Njc1MA==

يوميات المتقاعدين بالمغرب.


يوميات المتقاعدين بالمغرب

لعبة المتقاعدين


بعد قضائهم سنوات من العمر داخل ردهات ومكاتب الإدارات العمومية والخاصة، يجد المتقاعدون في انتظارهم أجرة أصبحت معاشا  قد لا يكفل لهم الحد الأدنى من المعيشة، لتغطية نفقات سلّة من الأمراض المزمنة كالسكري وضغط الدم أو هما معا، لأن هزالة المعاش ما عاش بها متقاعد عيشة كريمة تحترم شيبته، فحياته أصبحت كلّها عبارة عن وقت ثالث يكاد يتبع المتقاعد كظلّه، فيحاول أن يوزّعه بالتقسيط، بين المقهى والمسجد والمنزل الذي ما إن يدخله، حتى تضيق به غرفه، وتنهره ربّة البيت، بعد أن ترك بصمات قدميه على الأرض المبلّلة، ويدفعه أثاث منزله نحو الباب، ليلبّي نداء أقرانه الدّاعي إلى تمضية الوقت، جلوسا في تراخ على كراسي في الطريق وعلى الرصيف وفي الحدائق العمومية.

هؤلاء المتقاعدون تراهم في قيلولة بجفون مفتوحة، في غفلة من عصير البنّ المسحوق في أكوابهم، على شكل قهوة نصف ونصف، أو قهوة مكسّرة أو قهوة عادية، وأمام كؤوس الشاي المحلّى بغير السكر، كؤوس لا تجفّ ولو بعد ألف رشفة ورشفة. تراهم أيضا يتسابقون للحديث بكلمات وآهات تطلّ برؤوسها من القصبات الهوائية الملوثة برائحة أعقاب سجائر استنشقوها يخطئها العد، وما بين الرشفة والأخرى، تترصّد العيون وراء النظّارات رغم ضعف البصر، كل تحركات المارّين في سباقهم مع الزمن، وخاصة الراجلات اللواتي تتبعهنّ نظرات تحتية كنظرة ماسح الأحذية.

عندما تتعب باقي العيون السالف ذكرها من افتراس سحنات النّاس، ينادون على النادل لإحضار لعبة الورق أو(الكارطة)، حتى يدخلوا في مبارزات ثنائية وجماعية، تدربّوا على أسلحتها ولغتها منذ نعومة أظافرهم. فمن القاموس العامّي الحربي تسمع" (الرونضة والميسّة والتْرينْغة والقاعة والغناء). ومن الأسلحة سيوف جرّدت، وفرسان تمتطي صهوة جياد زيّنت بأجمل الألوان، وجسّدت على لعبة الورق من أربعين ورقة ممسوخة أو منسوخة أربع مرات، تحمل الأعداد من 1 إلى 12 بعد القفز على رقمي 8 و9 ولا أدري لماذا، و يحضى فيها الرقم واحد (أي اللاّص)، باحترام باقي الأرقام، التي تأكل بعضها البعض بناء على الترتيب. وبسرعة، يتوافق الجميع على نوع المعركة، هل هي (الرونضة أوالتوتي أوالسوطة الغاملة)، وهذه الأخيرة هي شبه سيدة في الأربعين، قصيرة القامة، وتحمل كاللاعب الدولي المغربي (التيمومي) رقم 10.

 إن هذه السيدة، يتطيّر ويشمئزّ منها كل من كانت  من بين أوراقه ومن نصيبه، ويتمنّى لو يهديها لمن بجانبه. أما اللغة الإسبانية فحاضرة عند النطق بالأرقام (كاللاّص والدوس وو)، وبالألقاب ( كالراي والكابال). وإذا اقتسموا غنائم الحرب واحتسوا كؤوس الشاي على نخب المنهزمين، هبّوا إلى ركن آخر يتسابقون إلى رقعة الطّامة أو( الضامّة) بالدارجة المغربية، حيث خطوط التماس الأمامية والخلفية متراصّة على ضفتي الواد الافتراضي، وكل بيدق يصل إلى معترك الخصم، سيرتقي إلى درجة (الضامة) المتحررة من قوانين اللعبة، بحيث بإمكانها أن تطير فوق المربعات فتطيح بالبيادق مثنى وثلاث ورباع، آنذاك، تظفر هيئة الحرب في الميدان بإبريق شاي آخر، ويفتح دفتر التحمّلات من جديد في وجه  المتقاعد الذي يصفونه بـ :  مُتْ قاعدا.

بين بريق السيوف ووقع سنابك الخيل أضع علامة استفهام متنبرة (؟) على هزالة معاشات المتقاعدين المغاربة.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة