/>head> tags التجربة المغربية في مجال محاربة الأمية (الجزء 1)
U3F1ZWV6ZTM4NzI4NTMzMTQzODI4X0ZyZWUyNDQzMzMwNzU5Njc1MA==

التجربة المغربية في مجال محاربة الأمية (الجزء 1)


التجربة المغربية في مجال محاربة الأمية (الجزء 1)



      سأتطرق في هذا العرض إلى:

          1)  التطور التاريخي لقطاع محاربة الأمية بالمملكة المغربية. 

                                 2) تجربة قطاع الشبيبة والرياضة من سنة 1957 إلى 1966. 

المقدمة.

أريد أن أستهل هذا الموضوع بحكمة صينية من القرن الثالث قبل الميلاد.
-  إذا فكرت سنة إلى الأمام فانثر بذرة.
-  وإذا ما فكرت عشر سنوات إلى الأمام فازرع شجرة.
-  وإذا ما فكرت مائة سنة إلى الأمام فعلّم الناس.
-  فإنه بنثر بذرة واحدة ستجني محصولا واحدا.
-  وبزرع شجرة ستجني عشرة محاصيل.
-  وبتعليم الناس ستضاعف من محصولك مائة مرة.

من هنا تتأكد القناعة بأن التعليم هو قضية العصر، بحيث يعد البوتقة التي تتم فيها صناعة الإنسان، بتنمية قدراته وتأهيل طاقاته على أساس أن الإنسان هو المحور الأساسي في التنمية، باعتباره ثروة بشرية التي هي من أهم مقومات التنمية. فعلى مستوى إدراكه لدوره في الحياة، وعلى مستوى كفاءته يكون قياس التنمية صعودا أو هبوطا، والحكم عليها نجاحا أو فشلا.
تعتبر الأمية آفة اجتماعية وظاهرة مركبة تمس الأفراد وتمس المجتمع نفس الوقت، بل وتلتقي جذورها عند حقيقة واحدة هي التخلف بالمعنى الشامل، لكونها تمثل إحدى التحديات الخطيرة التي تشكل عائقا في سبيل التطور الحضاري للمجتمع، ولأنها تساهم في إجهاض المشاريع الإنمائية وتفرز آثارا سلبية تنعكس على التخطيط والبرامج والمشاريع الاقتصادية.

1)  التطور التاريخي لقطاع محاربة الأمية :

إذا كانت المعطيات الإحصائية لفترة الحماية شبه منعدمة لتحديد ثقل هذا الإرث الاستعماري. فإن إحصاء سنة 1961 أعطى نسبة % 87 من مجموع السكان الذين يتجاوز سنهم عشر سنوات أميين. وهذه النسبة تبين حجم الإرث الذي خلفه الاحتلال الفرنسي للمغرب.
لقد خاض المغرب عدة تجارب وطنية لمحاربة الأمية لم تعرف الاستمرار ولا الاستقرار، رغم ما تمخضت عنه من نتائج إيجابية محدودة. فجميع الجهود التي بذلت منذ الاستقلال، استهدفت على المدى البعيد القضاء التام على الأمية بجميع أشكالها وأنواعها، غير أن أهدافها القريبة المدى كانت تتفاوت من سنة لأخرى.

إن التربية والتعليم وضعت من بين الأهداف الأساسية للمغرب منذ حصوله على الاستقلال. وجعلت الدولة هذا الموضوع موضع اهتمام خاص، وكان توفير مقعد لكل من بلغ سن التمدرس من أبرز الأهداف التي سطرت، حيث انتقلت نسبة التمدرس عند الفئة 7 - 15 سنة من  %  13غداة حصول المغرب على الاستقلال، إلى% 99.7 في الموسم الدراسي 2018 – 2019 ،وذلك حسب المعطيات التي تضمنها تقرير وزارة الدولة المكلفة بحقوق الإنسان بعنوان "منجز حقوق الإنسان بالمغرب: التطور المؤسساتي و التشريعي و حصيلة تنفيذ السياسات العمومية بعد دستور 2011."

انطلقت التجربة المغربية في مجال محو الأمية منذ الاستقلال  سنة 1956 بمبادرات عديدة تهدف كلها إلى التقليص من هذه الآفة، وكان التصدي لظاهرة الأمية بكل الوسائل عن طريق الحملات الوطنية والقطاعية، وبوضع الخطط والبرامج التي تتجاوب والحاجات الأساسية للفئات المستهدفة، سواء مهنية ووظيفية كانت أو حضارية أو اجتماعية، كما عرف ملف محو الأمية عدة انتقالات بين قطاعات متعددة، وقد يكون ذلك من الأسباب التي حالت دون تحقيق الأهداف المرجوة، ومن أهم القطاعات التي  تناوبت على تدبيره نذكر ما يلي:

1) قطاع الشبيبة والرياضة من سنة 1957 إلى 1966.    
2) قطاع التعاون الوطني من 1967 إلى 1977.
3)  قطاع الصناعة التقليدية والشؤون الاجتماعية من 1978 إلى 1990.                                          
4) إحداث قسم لمحو الأمية وتعليم الكبار بالوزارة المكلفة بالشؤون الاجتماعية سنة 1991.
5) إحداث مديرية محاربة الأمية تابعة لوزارة التشغيل والتكوين المهني سنة 1997.
6) في سنة 2002 تم إحداث كتابة الدولة لدى وزارة التربية الوطنية المكلفة بمحاربة الأمية والتربية غير النظامية التي أرست الإستراتيجية الوطنية لمحاربة الأمية في سنة 2004.
7) ومع التغيير الحكومي لسنة 2007 ،عاد تدبير الملف لمديرية محاربة الأمية بوزارة التربية الوطنية.
8) انطلاق عمل الوكالة الوطنية لمحاربة الأمية في سنة 2013.

2) تجربة قطاع الشبيبة والرياضة من سنة 1957 إلى 1966: (الحملات الوطنية).

أولا: حملات على المستوى الوطني.

الحملة الأولى سنة 1956:

انطلقت بقيادة المغفور له محمد الخامس وإشراف العصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية، استفاد منها مليون مواطن ومواطنة. وقد واكب هذه الحملة، صحيفة " منار المغرب " الموجهة للمتحررين من الأمية، وكان شعار هذه الصحيفة هو:" تعلموا لتكونوا قادرين على تدبير شؤون عائلاتكم، ولتكونوا واعين بما يحدث داخل وخارج بلادكم، ولتعيشوا حياة عصرية جديدة في المغرب الجديد ".

الحملة الثانية سنة 1957:

استفاد من هذه الحملة الشاملة نحو 2 مليون مواطن ومواطنة، سلمت لهم في ختام الدراسة شهادة القراءة والكتابة. وقد تم في هذه المرحلة تحديد 22 ناحية قسمت إلى مناطق صغيرة، مع العلم أن نسبة الأمية في نهاية عهد الحماية وصلت إلى نسبة %95  بمعدل % 96 في صفوف النساء، و %78 في صفوف الرجال. وبفضل هذه الحملات وصلت النسبة سنة 1960 إلى % 85 على الصعيد الوطني.


إسـتـراحـة

ثانيا: حملات على المستوى الإقليمي.

بدأت هذه الحملات سنة 1961 في إطار تطور مفهوم الأمية، حيث كان المجتمع في هذه المرحلة على استعداد لربط العملية التعليمية بالتربية الأساسية، وذلك بهدف مساعدة الأفراد على فهم مشاكل حياتهم وحلها، وعلى معرفة حقوقهم كمواطنين وأفراد، وأيضا لتحسين ظروف حياتهم المعيشية وعلى الإسهام بصورة فعالة في تطوير بلادهم من جميع النواحي.

1)  حملة بني ملاّل.

في إطار هذا المفهوم، وضعت الحكومة مشروعا للإنعاش القروي اختارت له إقليم بني ملاّل. يتميز هذا المشروع باستخدام الإذاعة الوطنية لبث دروس محو الأمية عن طريق محطة إرسال محلية، تتميز ببرامج تعليمية خاصة تلائم متطلبات البيئة المحلية. وقد استفاد من هذه الحملة الإقليمية قرابة 53 ألف مواطن تابعو دروس محو الأمية لمدة 13 أسبوعا، كما استخدمت لتنفيذها الوسائل التعليمية الحديثة آنذاك بفضل مساعدات منظمة اليونسكو.

2)  حملة الإنعاش النسوي.

    أشرفت وزارة الشبيبة والرياضة على مشاريع  الإنعاش النسوي عبر إحداث 337 مكتبا خاصا لتنفيذ الحملة في مراكز حضرية وقروية. وقد استهدفت هذه الحملة تقديم العون والمساعدة بجميع أشكالها للعائلات المعوزة، والمساهمة في تعليم النساء ابتداء من سن الثانية عشرة في المراكز الحضرية، والعاشرة في المراكز القروية. وتشمل البرامج على دروس في التربية الوطنية والدينية والصحية، بالإضافة إلى حصص خاصة في تربية الأطفال، وتنظيم الأسرة والتدبير المنزلي ومحو الأمية، وكيفية تربية الدواجن والماشية، وإعداد الحدائق المنزلية. أما التعليم المهني، فيهتم بدروس الخياطة والطرز وغيرها، وتستغرق الدراسة في المستوى الأول ثلاث سنوات بمعدل أربع ساعات يوميا مع منح شهادات تخصصية.

3)  حملة الإنعاش القروي.

    أشرفت وزارة الداخلية على هذه الحملة عن طريق الجماعات القروية وذلك لمحو أمية الذكور والإناث، وتزويدهم بالخبرات في مجالات الزراعة وتربية المواشي والدواجن، وقد بلغ عدد المراكز التي استقبلت الأميين ما يناهز 50 مركزا قرويا. كما قامت وزارة العدل بالتعاون مع وزارة التربية الوطنية، بتنظيم دروس لمحو الأمية في معظم المؤسسات السجنية بالمملكة. حيث استطاع السجناء مواصلة التعليم الابتدائي والثانوي، كما بذلت الجهود من طرف المراكز الدينية من مساجد ومدارس قرآنية عتيقة للتعليم الأصيل والمؤسسات الأخرى سواء الخاصة أو الحُبُسية. ولعل السبب في نجاح هذه الجهود المبذولة في مجال محاربة الأمية يرجع إلى عدة عوامل منها:

          -  ارتباط جهود محاربة الأمية  بقضية التحرير الوطني.
       -  أهمية الجهود التطوعية وقيمتها في المجتمع.
       -  إقبال المواطنين ورغبتهم الصادقة في التعليم.
        ارتباط الحملات بالفكر وبالوازع الديني.

وعلى ضوء الدراسات العلمية التي قامت بها منظمة اليونسكو، تبين أن مفهوم محو الأمية التقليدي الأبجدي لا يحقق الغرض المنشود، الذي هو انعكاس المكتسبات على حياة الفرد المهنية والاجتماعية. ومن هذا المنطلق، دعت المنظمة إلى تبني مفهوم التعليم الوظيفي الذي يربط بين نشاط محو الأمية والتنمية المهنية . ولقد شمل تطبيق هذا المفهوم الوظيفي بالمغرب عدة مشروعات منها تجربة المكتب الشريف للفوسفاط من سنة 1965 إلى سنة 1969، التي تعتبر تجربة رائدة ونموذجية   في مجال محاربة الأمية الوظيفية، بحيث بلغ عدد العمال المستفيدين 13 ألف عامل، تمكن 12 ألف منهم من محو أميتهم وظيفيا بعد تلقي التدريب المهني الذي استغرق ستة أشهر. وكانت فترة الدراسة والتدريب تتم يوميا داخل المناجم أثناء أوقات العمل.

لقد كان الهدف من هذه التجربة هو الرفع من المستوى التعليمي والمهني للعمال، مما مكنهم من شغل مناصب جديدة وتحسين وضعيتهم الوظيفية، ولقد لقيت تجربة المكتب الشريف للفوسفاط صدى حسنا واستحسانا من لدن منظمة اليونسكو التي دعت المكتب لتقديم التجربة المغربية في مؤتمر طهران الدولي. وعلى غرار هذه التجربة، انطلقت عدة تجارب أخرى نذكر منها تجربة المكتب الوطني للسكك الحديدية، وتجربة مكتب التسويق والتصدير بالدار البيضاء ثم تجربة المكتب الوطني للماء والكهرباء.

   إن الجهود التي بذلت سواء كانت اختيارية وتطوعية أو رسمية، لم تحقق الهدف المطلوب وذلك لأسباب عديدة، منها عدم سد منابع الأمية نظرا لبطئ برامج تعميم التعليم، ومنها أيضا ارتفاع نسب التسرب من أقسام محو الأمية لانعدام الحوافز المادية، وارتفاع نسب الارتداد إلى الأمية لانعدام برامج ما بعد محو الأمية. وترجع الأسباب في ذلك إلى:

-  غياب التخطيط المسبق لتأطير بعض الحملات بحيث طغت عليها التلقائية  والحماس.
-  بعض هذه الحملات ارتكزت على محو الأمية الأبجدية لتعليم القراءة والكتابة والحساب، في تجاهل تام لمبدأ محو الأمية الحضارية التي تربط تعليم القراءة والكتابة بالتنمية الاجتماعية والاندماج السوسيوثقافي.
-  افتقار هذه الحملات إلى تجنيد كافة الطاقات الحكومية وغيرها، إذ كان من الضروري قيام كل وزارة وإدارة، وكل بلدية وجماعة ترابية، بالعمل على محو أمية الأشخاص المنتمين إليها.
-  غياب الوعي بكون محاربة الأمية تكتسي صبغة سياسية واجتماعية واقتصادية وتربوية، وأن أي حملة لمكافحة الأمية لا يمكن أن تحقق النتائج المنتظرة، إلا إذا تم تحديد الحوافز النفسية والدينية الضرورية لبث الاستعداد في الجماهير، وحملها على الاعتقاد التلقائي بمدى أهمية وصلاحية وفوائد محو الأمية على الأفراد وعلى المجتمع.
-   قلة الأطر الكفئة المدربة تدريبا خاصا بتعليم الكبار يمكنهم من تجاوز المشاكل السيكولوجية والأندراغوجية والاجتماعية والوظيفية.
إن تحليل معطيات التجربة المغربية من بداية الاستقلال إلى غاية الثمانينات، وتقييم ما أفرزته من إيجابيات وسلبيات، أفرز العديد من القناعات والخلاصات نجملها في العوامل التالية:

   1) العامل الأول: 

أننا كنا ننظر إلى الأمية على أنها مرضا ووصمة عار، والحقيقة أنها فقط ظاهرة تعكس المشاكل الاجتماعية والاقتصادية، الثقافية والتاريخية العميقة الجذور. إنها ظاهرة من ظواهر التخلف في جميع المجالات، فهي ليست مشكلة فردية تعالج بتعليم القراءة والكتابة فقط، بل هي مشكلة اجتماعية بالدرجة الأولى يجب محاربتها بمواجهة شاملة لكل مظاهر التخلف.

   2) العامل الثاني: 

لقد تم الاستهانة بظاهرة الأمية حيث نظرنا إليها على أنها مجرد عملية تعليمية تقليدية بسيطة تتطلب مُدرّسا وكتابا وقسما كما هو الحال في تعليم الصغار، في حين أن الفرق شاسع بين تعليم الصغار ومحو أمية الكبار.

   3) العامل الثالث:

 هو عدم إشراك المعنيين المستفيدين من برامج محاربة الأمية، بحيث وكّلنا أنفسنا الدفاع عنهم، والتخطيط لهم دون دراسة حاجاتهم ودراسة بيئتهم.
لقد كان من اللازم إعادة النظر في طرق ووسائل محاربة الأمية من خلال منظور اجتماعي وحضاري جديد، يأخذ في عين الاعتبار المبادئ العامة التي نصت عليها الاستراتيجية العربية لمحو الأمية وأهمها:

  - الأخذ بالمفهوم الحضاري، من خلال تناول الإنسان بالتأهيل والتكوين ليكون عنصرا صالحا في المجتمع، قادرا على مواجهة مشاكل الحياة.
 - إتباع أسلوب المواجهة الشاملة التي تأخذ بعين الاعتبار تحديث المجتمع وتطويره بكل مقوماته ومكوناته.
  - سد المنابع التي تغذي الأمية وذلك بإلزامية التعليم الابتدائي وتعميمه لاستيعاب    كافة الأطفال في سن التمدرس.
  - تحقيق التكامل بين التعليم النظامي وغير النظامي، بمنح الفرد اعترافا اجتماعيا لما يملكه من مهارات يستطيع تطويرها عن طريق توفير الفرص المناسبة.
 - الأخذ بالأسلوب العلمي في مواجهة المشكلة، أي النزول إلى القاعدة ودراستها دراسة ميدانية،لاستخلاص الاهتمامات والحاجات الحقيقية للمواطن. فالأمية في القرية تختلف عنها في المدينة، وليست في القطاع الصناعي كما في القطاع الفلاحي مما يستدعي ألا يكون التعليم نمطيا.
  -  توظيف الحوافز المادي والاجتماعية والمعنوية في عملية المواجهة.
  -  أهمية القرار السياسي الذي يعد الإطار القانوني والإداري المنظم لسير الحملة.
 - تعبئة الجهود الشعبية والجماهيرية وتوظيفها في الحملة، إضافة للمؤسسات والتنظيمات، والمساهمة الفعلية بالجهد والمال، مع التنسيق بين كافة المتدخلين للوصول إلى الغاية المرجوة.
  - المتابعة والتقويم المستمرين لكل المراحل والخطوات منذ بداية الحملة.


الجـواب

في  الجزء (2) سأتطرق لتجربة:
-  مؤسسة التعاون الوطني
-  وزارة الصناعة التقليدية والشؤون الاجتماعية
-  وزارة التشغيل والشؤون الاجتماعية

التجربة المغربية في مجال محاربة الأمية (2)

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة