لم يعد التجميل حكرا على الإناث
غالبا ما يبدأ الباحثون عن العمل رسائل طلب وظيفة بفعل يشرفني أن ...الخ. لكن معظم الناس لا يعجبهم كتابة أو قراءة فعل يشرّفني في المضارع، لأن له علاقة مع (الشّرف) التي تعني بالدارجة المغربية الكبر في السن. ولذلك تراهم يبتعدون عن كل ما من شأنه أن يقرّبهم إلى التقدم في العمر، والاقتراب من الشيخوخة، فتكون البداية بتجنّب النساء والرجال معا ارتداء كل ما هو تقليدي، كالجلباب أو الطربوش وصديقته الطاقية، إلا في المناسبات الدينية استثناء. كما يحرص الرجال والنساء
فقط على مداومة صباغة الشعر، وتعمد بعض النساء إلى إجراء عمليات التجميل بنفخ الشفاه والخدود، لدرجة يستحيل معها الابتسام وبالأحرى الضحك، أو بتدليك بشرة الوجه عموديا، حتى تسترخي العضلات فتندفع التجاعيد الجلدية إلى أسفل العنق، لتتجمع في صفوف متراصة كجلد آلة الأكورديون.
لم يبق مفهوم الذكورة محصورا في خشونة في الصوت أو بسطة في الجسم، أو حدّة في الطبع. بل أصبح هذا المفهوم يتمايل مع متطلبات المجتمع، ومع الدوافع النفسية التي تعطى الأهمية للعناية بالمظهر الخارجي، الذي أصبح اليوم هدفا مشتركا بين الجنسين للتصالح مع الذّات. ورغم النظرات والعبارات المجتمعية المحافظة، لم يعد التجميل حكرا على الإناث فقط، بل جذب اهتمام الآلاف من الذكور، خصوصا من كبار السن و أصحاب النفوس الراغبة في التشبيب.
حسب بعض الإحصائيات، فإن الرجال يشكلون نسبة 25 في المائة من الذين يخضعون لعمليات التجميل بالمغرب أهمها زرع الشعر. وأصبح الرجال أكثر إقبالا على مصحّات التجميل، ينافسون للنساء بدون أن تكون الضرورة والأسباب طبية، وذلك للتخفيف من معالم الشيخوخة في الوجه، وللحصول على مظهر أكثر شبابا، لكي يعيشوا زمانهم وزمان غيرهم. ولم يقتصر الرجال فقط على الزراعة الخريفية للشعر، بل ازداد الطلب على أساليب تجميلية جديدة. فبالنسبة للذين لا يزرعون ولا يحصدون، فإنهم يقومون بتنظيف البشرة في صالونات الحلاقة بالبخار الدافئ، ويهتمّون بالشعر عبر تلوينه أو إزالته من الوجوه بأشعة الليزر أو بالخيوط. وخوفا من أن تبدو عليهم أعمارهم الحقيقية، يبدؤون من قمة الرأس إلى أخمص القدمين، فيؤدون ثمن الماسكات والمرطّبات والأقنعة لتبييض البشرة، واستعمال مستحضرات العناية بالوجوه، كي يتخلّصوا من آثار الزمن، بل وحتى العناية بالقدمين واليدين اللذين يستحقان جلسات طويلة من التدليك وتقليم الأظافر بشكل دائري، لتكون على مستوى واحد ومتوازن، مع إزالة الجلد الميت عن القدمين قبل إقامة الصلاة عليه.
قد يقول قائل بأن الزينة عند الرجال قديمة، بحيث أنهم كانوا يصبغون شعورهم ولحيهم بالحناء أو الزعفران ويكحّلون عيونهم، وبالتالي ليست الزينة محرّمة في ذاتها، بل هي مطلوبة ولكن بضوابطها وبغير إسراف وبدون تاء التأنيث. أما اليوم فقائمة عمليات التجميل التي يزيد إقبال الرجال عليها طويلة، بحثا عن الوسامة وحلم الشباب و(اللوك)، في محاولات لإخفاء علامات التقدّم في السن، خصوصا عند أصحاب المناصب العليا الذين بإمكانهم إجراء عمليات تجميلية بدون عناء مالي يذكر، للحفاظ على المظهر الاجتماعي، والحضور الدائم بشكل مؤثر ومثير في المحيط المهني والسياسي، ورغبة في جلب مناصب أخرى وتمديد مدة صلاحيتهم.
لقد جاء دوري وأنا في صالون الحلاقة، سأقوم لحلق ما تبقى من الشعر، لأن الزمن مسح على رأسي فحلقه على الصفر.
إرسال تعليق