المناهج والأسس النفسية لتعليم الكبار
تتضمن هذه المداخلة المواضيع التالية:
أولا: تعليم الكبار.
1) تطـور مفهوم تعليم الكبار.
2) تطور مفهـوم
محو الأمية.
3) الفئات
المستهدفة مـن تعليم الكبار.
4) مؤسـسات
تعليم الكبار.
ثانيا: منهجية تعليم الكبار.1) خـصائص
مناهج تعليم الكبار.
- النظرة التكاملية
- الملائمة
- الشمولية.
2) المبادئ الأساسية لإعداد مناهج تعليم الكبار.
- التعرف على الحاجات
- تحديد الأهداف
- الثقافة الشفوية
- القابلية للتغيير.
ثالثا: الخـصائص الـنفـسية للمتعـلمين
الكبار
1)
الخصائص المعرفية.
- تدهور القدرة على التذكر
- تأخر الاستجابة.
2) الخصائص الجسمية.
- القدرة السمعية البصرية
- شكل الجسم وحجمه.
3) الخصائص النفسية
الشعورية.
- الصورة السلبية عن الذات
- مقاومة التغيير.
أولا: تعـليم الكبار.
تختلف التصورات حول تعليم الكبار، فهناك من يحصر هذا المفهوم على محو
الأمية الأبجدي إلى تعلم المهارات الأساسية كالقراءة والكتابة والحساب. وهناك رأي
ثان يرى أنه لا يشمل محو الأمية إطلاقا، بل يشما تربية الكبار وتوفير والوسائل
والأسباب لاستكمال تعليمهم، وإضافة مهارات جديدة إليهم.
1) تطور مفهوم تعليم الكبار.
لقد مرّ هذا المفهوم بعدة مراحل، كما تأثر بأحوال
المجتمع وبالظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، هذه الظروف التي
تتحكم في تطور الوعي لدى الناس من جهة، وتطور النظرة إلى الإنسان وأهميته ومساهمته
في التنمية من جهة أخرى. والجدير بالذكر، فإن هذا التطور ابتدأ باعتبار مفهوم
تعليم الكبار مرادف لمحو الأمية، وانتهى بالفكرة القائلة بأن تعليم الكبار يعني
التربية المستمرة مدى الحياة.
وللدلالة على مدى ارتباط المفهوم بدرجة تطور
الدول وتقدمها، أعطي مثالا بالدول التي
ترتفع فيها نسب الأمية، بحيث يقتصر مفهوم تعليم الكبار على محو الأمية بالدرجة
الأولى. وهذا التعريف يجعل تعليم الكبار مقتصرا على تزويد المواطن بالمهارات
والكفايات الأساسية، دون الالتفات إلى المعنى الشمولي الذي يدمج محو الأمية في
البرامج التنموية.
أمّا في الدول التي قطعت أشواطا في مجال محو
الأمية، فنجد أن التعليم المدرسي والجامعي، لم يعد كافيا لمساعدة الإنسان الذي
يعيش في عصر غزو الفضاء، بل المجتمع في حاجة إلى أسلوب جديد للتربية مدى الحياة،
لأن التربية والتكوين لا ينحصران في الجانب المعرفي فقط، بل الهدف هو تغيير
اتجاهات ومستويات وسلوكيات المواطن لتتلائم مع متطلبات الظروف الجديدة.
2) تـطور مفهوم محو الأمية.
شهد مفهوم محو الأمية هو الآخر تطورات
مرحلية، حيث كان يعني في الأول محو الأمية الأبجدية، أي تعليم الأمي الحروف
الهجائية قراءة وكتابة. لكن الواقع أتبث خطأ هذا المفهوم، فجاءت النظرية اللاحقة
لتضيف إلى المهارات الأساسية أي القراءة والكتابة والحساب، استخدام هذه المكتسبات
في مختلف مجالات العمل وهو ما يسمى اليوم بمحو الأمية الوظيفي. ولم يقف التطور عند
هذا الحد، بل ظهر مفهوم محو الأمية الحضاري بأبعاد شاملة، مرتكزا على أسس المفاهيم
السابقة أي التربية الأساسية ومحو الأمية الوظيفي، وساعيا للقضاء على الجهل بمعناه
الواسع الذي يشمل الجهل بالقراءة والكتابة والحساب، وانعدام الوعي الثقافي
والاجتماعي والاقتصاد والسياسي، وبالتالي فقدان القدر الكافي من المعلومات العامة
الأساسية.
3) الفئات المستهدفة من تعليم الكبار.
تشمل عمليات تعليم الكبار مختلف الشرائح
الاجتماعية، انطلاقا من الأطفال إلى ما فوق الخمسين سنة. ففي جميع المجتمعات
العربية والإفريقية وغيرها، يدخل الأطفال سوق العمل وهم في سن الثانية عشرة، وذلك
راجع إلى أنّ التعليم الإلزامي فيها يقف عند حدود الثانية عشرة، ممّا يجعل الأطفال
في هذه السن ينضمّون إلى صفوف الكبار رغم صغر سنهم. أمّا باقي الفئات المستهدفة، فتشمل
من لم يسبق لهم الالتحاق بالتعليم في مختلف مراحله وأشكاله من الشباب الكبار من
كلا الجنسين، من ذوي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الهشّة والمتوسطة.
4) مؤسسات تعليم الكبار.
يمكن تقسيم مؤسسات تعليم الكبار إلى ما يلي:
- مؤسسات مخصصة للتربية الأساسية ومحو الأمية،
وتعتبر شرطا ضروريا للإتمام كافة الأنواع الأخرى من تعليم الكبار .
- مؤسسات لمواصلة التعليم مثل المدارس الخصوصية
أو المسائية العاملة في المجال غير النظامي، والتي تساعد الأفراد لإتمام الدراسات
الإعدادية أو الثانوية أو التهيؤ للدخول للجامعات.
- مؤسسات التكوين المهني سواء التابعة للوزارات
أو للقطاع الخاص، والتي تمكّن المواطنين من اكتساب الكفاءة التقنية والمهنية.
- مختلف أنواع وبرامج التعليم الموجه للجميع
والتي تتخذ أشكالا متعددة، كالمكتبات والمتاحف والمسارح والإذاعة والتلفزيون
والتعليم عن بعد وغيرها من وسائل التعليم المستمر مدى الحياة.
ثانيا: منهجية تعليم
الكبار.
من المعروف أن المنهج هو الوجه المعبّر عن
المجتمع، وهو الوسيلة التي بواسطتها تتحقق الأهداف والغايات التربوية. لذا فإن
كافة المسؤولين عن وضع المناهج وتنفيذها يحتاجون إلى معرفة الأهداف العامة
والغايات التي تسعى إليها الدولة، كما يحتاجون في نفس الوقت لأن يتعرّفوا على
الأهداف الخاصة المحددة، كي يستطيعوا رسم المناهج وإعداد الخطط الدراسية، وطريقة
إيصال تلك المادة التعليمية إلى المستفيدين، وبالتالي الإجابة عن الأسئلة التالية:
ماذا نعلّم؟ وكيف نعلّم؟
لا شك أن الإجابة على مثل هذه التساؤلات تكمن أولا في إجراء دراسات ميدانية
للتعرف على الحالة الراهنة، وذلك بغية تقديم اقتراحات وتصورات عملية تساعد في
تخطيط وتطوير المناهج. وثانيا إجراء دراسات تجريبية وذلك لكشف مميزات أو عيوب
طريقة ما من طرق محو الأمية. وأخيرا دراسات أخرى للتعرف على آراء وحاجات واهتمامات
الفئة المستهدفة.
1) خصائص مناهج تعليم الكبار.
كلنا يعلم أن تعليم الكبار يختلف عن تعليم
الصغار اختلافا كبيرا، تبعا لعدة عوامل لها علاقة بطبيعة الكبار وظروفهم منها:
البيئة الاجتماعية، العمر، المسؤوليات، المهنة، الوقت، الدوافع إلى التعلّم وغير
ذلك من العوامل، وأن أي منهج لا يراعي تلك العوامل والخصوصيات والظروف المحيطة
بالكبار، سيكون مصيره الفشل كما حصل في كثير من برامج محاربة الأمية وتعليم
الكبار. لذا فقد وضعت أسس علمية يجب مراعاتها عند إعداد وتصميم أي منهاج موجه
للكبار، ومن هذه الخصائص نذكر ما يلي:
- النظرة التكاملية في المواد والمحتوى.
وهي
التي توحّد بين مختلف أنماط المعرفة الإنسانية، سواء في العلوم أو الفنون أو الأدب
والموجودة في التربية المدرسية وعلى امتداد الزمان والمكان. هذا التكامل يربط بين مؤسسات
تعليم الكبار ابتداء من مرحلة محو الأمية، إلى غاية التربية المستمرة مدى الحياة.
- الملائمة. يتضمن هذا المعيار الاهتمام بالفوارق بين الأفراد من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بحيث يصبح من الضروري ملائمة وتكييف محتويات المناهج التعليمية وطرقها مع تلك الفوارق، ومع الحاجات المعبّر عنها والتي تختلف من شريحة إلى أخرى. وعلى هذا الأساس، يجب على البرامج التي تعدّ للكبار أن تراعي هذا المعيار الذي من شأنه أن يوفر للمستفيدين الجو والمحتوى الذي يناسب حالاتهم ويلبّي حاجاتهم، كي يستمروا في التعلّم، بل وحتى يحفزهم لطلب المزيد من المعرفة بدافع ذاتي.
- الشمولية. بالإضافة إلى الخصائص السابق
ذكرها، يتطلب منهاج تعليم الكبار الشمولية التي تستجيب لمتطلبات الحياة من المودّة
والعمل والتدين والراحة والتعاون ومختلف العلاقات الإنسانية، بالإضافة إلى الجوانب
الثقافية والعلمية والأدبية. ولا نقصد هنا بالشمولية بمعنى الموسوعة، بل بمعنى
انتقاء واختيار كل ما من شأنه أن يلبّي الحاجات المعبّر عنها من طرف الفئات
المستهدفة من برنامج محو الأمية وتعليم الكبار. كما يقصد بالشمولية أيضا استفادة
جميع المواطنين على حد سواء من شباب وكبار، ذكور وإناث في البادية أو في المدينة.
إن
المنهاج في التعليم بصفة عامة وتعليم الكبار بصفة خاصة قد يكون جيدا كما قد يكون
سيئا. فكثير من المتعلمين الكبار رفضوا وانقطعوا عن مواصلة التعلم لأن جودة السلعة
التعليمية المقدمة لهم لم تكن في مستوى ما توقّعوه وما يرضي رغباتهم وحاجاتهم، بل
أكثر من ذلك، قاموا بالتأثير على غيرهم ممن كانت لديهم الرغبة في التسجيل في مراكز
محو الأمية وتعليم الكبار. لذلك، وجب على المهتمين إعداد مناهج خاصة تراعي المبادئ
التالية:
2)
المبادئ الأساسية لإعـداد مناهج
تعليم الكبار.
- التعرف على الحاجات الحقيقية للفئات المستهدفة عن طريق البحوث الميدانية
والمقابلات الشخصية واللقاءات الجماعية، (كما سبق ذكره في العرض السابق المتعلق
بتقويم برامج محو الأمية).
- حديد الأهداف التربوية من طرف السلطات والمسؤولين عن مجال تعليم الكبار،
وربطها بالحاجات الحقيقية
للمتعلمين. فإذا كان المواطن الأمي قد عبّر عن حاجته إلى
تعلّم آليات القراءة والكتابة (أي محو الأمية الأبجدي)، فعلى المهتمين أن يراعوا هذه الحاجة في أهدافهم، قبل أن يبرمجوا
لمحو الأمية الحضارية أو الوظيفية.
- التركيز على أهمية الثقافة الشفهية، وذلك لأن الأمي يتعلّم ليقرأ وليس
كغيره الذي يقرأ ليتعلّم. ومن ثم فإن تحصيل المعرفة والمكتسبات لديه ليس تحصيلا
مكتوبا بقدر ما هو تحصيل اكتسبه الأمي بالعادة عن طريق المذاكرة والمحادثة
والاستماع. وبهذه الطريقة اكتسب المتعلم الكبير كثيرا من الخبرات والمعارف، ممّا يستوجب التركيز في مناهج تعليم الكبار على إدخال أساليب شفوية كالمحاورة والمناقشة
والسؤال والجواب، بل وحتى المشاهدة التلفزيونية والاستماع للإذاعة مع التعقيب على
ما يشاهده وما يسمعه.
- التركيز على وحدة المعرفة في مجالات تعليم الكبار عن طريق اختفاء الحواجز
بين ما هو علمي وأدبي، فنّي وديني ووطني، سواء على المستوى النظري أو التطبيقي. لذلك يجب أن تنحصر الكتب
التعليمية مثلا في المرحلة الأولى أساس على كتاب واحد، يجمع بين مختلف الوحدات
التعليمية والمجالات المعرفية. وليس المطلوب أن يكون الكتاب ملمّا بجميع هذه
الجوانب، أو يكون على شكل موسوعة أو مجلّد، بل المطلوب أن تجتمع كل هذه الجوانب
وغيرها كموضوعات منزوعة من الواقع الاجتماعي الذي يعيشه الدارسون، وتطرح بطريقة
تربوية جديدة بعيدة عن حشو الذهن والذاكرة بمعلومات لا يمكن استغلالها في الحياة
العملية اليومية، وقريبة من أسلوب الخبرة التعليمية التي ترتكز على التعلّم
والتفاعل وتبادل الخبرات، باستخدام العقل والنفس وجميع حواس الجسم، داخل جماعات
صغيرة يتواصل أفرادها فيما بينهم، لنتجنّب الدراسة التقليدية داخل أقسام الصغار
بسبورات سوداء ورسومات على الجدران وفوق الطاولات التي لا تتسع لأجسام الكبار.
- مراعاة القابلية للتغيير، ذلك أن قوة مشروع محو الأمية وتعليم الكبار تنبع
من مرونته وقابليته للمراجعة وإعادة الصياغة، بما يتماشى مع الحاجات المتجددة
والتطورات المستحدثة، وينسجم مع المعطيات الجديدة الناتجة عن الدراسة أو التقويم.
ولا تقف المرونة عند حدود محتوى ومضامين المنهاج التعليمي للكبار، بل تتصل أيضا
بمرونة الحصص أي السماح للدارسين بتتبع الدراسة حسب السرعة التي تناسبهم وحسب
الوقت المتوفر لديهم، وبمرونة المكان التي تعني الابتعاد عن تخصيص أقسام المدارس
الحكومية لدروس محو الأمية وتعليم الكبار، وأخيرا المرونة المتعلقة بعامل السن،
وتعني ضرورة ألاّ تقتصر الفرص التعليمية المتاحة على مجموعات عمرية دون غيرها، بل
يجب أن تفتح المراكز في وجه العموم بصرف النظر عن عامل السن، حتى لا يوجد تمييز ضد
أي شخص لديه الرغبة في التعلم على أساس أنه صغير جدا أو كبير أكثر من اللازم.
ثالثا: الخصائص النفـسية للمتعلمين الكبار.
تكاد تجد أن الأميين في كثير من الدول
العربية هم أساسا أفراد لم يحصلوا لأسباب مرتبطة بالظروف الاجتماعية والاقتصادية
على أدنى مستوى وظيفي في القراءة والكتابة. وعلى هذا الأساس، أقامت هذه الدول
برامجها لمحو الأمية وتعليم الكبار على عناصر تتشابه في مكوناتها مع التعليم
الرسمي الذي يقدّم للصغار في الأقسام الابتدائية، دون التركيز على الخصائص الفردية
للمتعلمين الكبار، وعلى الفوارق بين الصغار والكبار كدارسين، واختلاف الحاجات
والقدرات والدوافع.
ترتبط خصائص المتعلمين الكبار بشخصية المتعلم الكبير وبمظاهرها المتعددة
والمتكاملة، من حيث المميزات والصفات الجسمية والعقلية والاجتماعية التي تميزه عن غيره
من الناس، تمييزا واضحا أثناء العمليات التعليمية في مجال محو الأمية وتعليم
الكبار. وأهم هذه الخصائص هي كالتالي:
1) الخصائص المعرفية.
وترتبط بالقدرة الفعلية على احتواء المعارف وتخزينها.
وتشير كثير من الدراسات في علم نفس الكبار على أنه مع التقدم في السن يلاحظ ما
يلي:
- تدهور القدرة على التذكر: من المعلوم علميا
أن هذه القدرة تبلغ أقصى تفتح لها في العشرينات، ثم تأخذ في الانحدار التدريجي مع
التقدم في السن. وهذا بالطبع يفرض على منشط (ة) دروس محو الأمية أن يراعي طول
المادة التعليمية، ومدى الحاجة إلى تكرار تقديمها بأساليب وصور مختلفة وعلى فترات
متباعد.
- تأخر الاستجابة: مع التقدم في العمر، يزداد
اتساع الفترة الفاصلة بين التلقّي والرد بالاستجابة، وقد تطول هذه الفترة للرد على
السؤال يستغرق فيها المتعلم وقتا للتفكير، واستعراض الأجوبة، ثم اختيار الأنسب.
وهذا ما يملي على المنشط (ة) أن يراعي ذلك أثناء
مناقشة الكبار، إذ من الواجب عليه التحلّي بالصبر إذا لم يستجب الدارس بشكل
مباشر وتلقائي على السؤال الذي يوجهه إليه، وذلك كما سبق ذكره لحاجة الكبار لفترة
زمنية أطول لتجهيز المعلومات وترتيبها.
2) الخصائص الجسمية.
قد يكون
للمتعلمين الكبار استعداد معقول لتعلم القراءة والكتابة، لكن حواسهم السمعية
والبصرية قد تعوق عمليات التعلم، وتجعل النتائج ضئيلة والحصيلة قليلة نسبيا، إذا
لم تراعى هذه الخصائص أثناء وضع المناهج التعليمية، أو داخل أقسام محو الأمية. ومن
هذه الخصائص الجسمية نذكر ما يلي:
- تأخر القدرة السمعية والبصرية، وذلك بشكل
متفاوت وبدرجات مختلفة. وهذا يستلزم وضوح صوت منشط دروس محو الأمية وارتفاعه بدرجة
مناسبة. كما يجب مراعاة حدة الإبصار عند تصميم الكتب باللجوء إلى قياسات كبيرة
للحروف وفي الوسائل التعليمية الأخرى.
- اختلاف الكبار عن الصغار في شكل الجسم وحجمه،
وعادة ما يطرح هذا العنصر بحدة في أماكن الدراسة، حيث توجد الطاولات والكراسي المهيئة
لاستقبال الصغار، وتعتبر بالتالي غير مناسبة لكبار السن، ولا تتيح لهم الوضعية
المريحة لتتبع الدراسة. ومن جهة أخرى، بيّنت الدراسات أن المكان المحيط بالكبار أو
ما يسمى '' الحيّز الشخصي'' الذي لا يجب أن يتجاوزه أحد هو أكبر اتساعا من الحيز
الشخصي للصغير. وهذه المسافة التي ذكرناها لها علاقة وثيقة بدرجة ارتياح الشخص أو
ارتباكه وقلقه. لذا يجب أخذ ذلك في عين الاعتبار سواء بين الطاولات والكراسي
المتحركة، أو أثناء اقتراب المنشط (ة) من الأمي الكبير داخل الفصل أو أثناء إجراء
المقابلات الشخصية في عمليات التقويم.
3) 3) الخصائص
النفسية والشعـورية.
إن المتعلم الكبير
في علاقته بالواقع الاجتماعي يحتاج باستمرار إلى من يفك له وموز الواقع، ونتيجة
لذلك، تترسب في نفسيته وشعوره عدة أحاسيس قد يغذّيها الواقع الذي يعيشه، أو
الأقوال والأمثال التي يسمعها.
ومن هذه التفاعلات النفسية نذكر على سبيل المثال:
- الصورة السلبية عن الذات، وهو نوع
من الشعور بالاحتقار والدونية يحسّ به الأمي الكبير لعدم كفاءة نفسه وقلة قدرتها
وإيجابياتها. وهذا ما يعرّضه بالطبع إلى الإحباط، وبالتالي وكنتيجة لذلك، يضفي
القوّة والقدرة على الغير الذي يمتلك ما لا يملكه هو من معرفة حتى ولو كان أقلّ
منه سنّا، كمثل من يشعر بأنه في حاجة إلى الصغير لقراءة رسالة أو عنوان وغيرها. أو
كمثل إطلاق صفات الهبة والوقار والاحترام على من اكتسب قدرا من العلم كالفقيه مثلا
أو إمام المسجد، وتجسّد الأمثال والأقوال الشعبية عندنا هذا الاتجاه كقولهم '' سَعْدات
ألّي قْرا''. وأمام هذه الظاهرة، يتوجب التفكير والعمل على
خلق شعور يغيّر المواقف لدى المتعلمين الكبار، ويمنحهم القدرة على الثقة في النفس
لتجاوز مفهوم " التعلّم في الصغر كالنقش على الحجر " أو مقولة " التعلّم
في الكبر كالنقش على الماء ".
- مقاومة التغيير، بالإضافة إلى الشعور بالنقص والذي يضعف الثقة في النفس، هناك أيضا فكرة مقاومة أي تغيير لأفكارهم، تلك الأفكار والمعتقدات التي حظيت بالتدعيم والترسيخ مدة زمنية طويلة، سواء تعلق الأمر بالأفكار والآراء الشخصية في مجالات التوعية والتربية والتداوي وغيرها، وسواء كانت أفكارا خاطئة أو سليمة. ويصبح المعلم أو المنشط بالتالي في موقف يستدعي منه الصبر والحكمة واستخدام طرق المحاورة والمناقشة، وتدعيم الآراء الصحيحة بالأدلة العلمية والعملية، وهذا ما يستلزم أيضا أن تتضمّن الأنشطة والمواد الدراسية ما يساعد المتعلم الكبيرعلى تغيير تلك الأفكار الخاطئة، وبالتالي اتخاذ مواقف جديدة والاستمرار فيها.
وكنتيجة لكل ما سبق، أصبح من واجب القائمين على تعليم الكبار مراعاة شروط التعلّم لدى الأميين الكبار،لأن لها مردودية على مستوى ترغيب المادة التعليمية لديهم، وحثهم على مواصلة التعلم. ولا يمكن تحقيق ذلك إلاّ بتقليل الاعتماد على الذاكرة لكي يشعر المتعلم الكبير بالنجاح، وتقليل الاعتماد على السرعة سواء في العمل أو التعلّم، إضافة إلى عدم اللجوء إلى أسلوب المحاضرة وإلقاء الدروس، حتى لا تنقص مشاركة المتعلمين في المناقشة وفي التعلّم، وأخيرا زيادة الاعتماد على الخبرات السابقة للمتعلمين والتي ربما تجاوزت أحيانا خبرة المنشّط (ة).
لقد أصبحت كل هذه الجوانب البيولوجية والنفسية والاجتماعية المتعلقة بالكبار علما جديدا قائما بذاته، وهو علم تعليم الكبار والذي أطلق عليه اسم '' الأندراغوجيا "، علم يشمل كل ما يتعلق بالكبار، خصصنا له موضوعا خاصا في هذه المدونة، تجدونه في الرابط التالي:
الأندراغوجيا وتعليم الكبار(الجزء الأول)
إرسال تعليق