نحن و السلطة أية علاقة؟
يدخل الإنسان الفرد قسرا في علاقات شتى مع السلطة بدءا بشهادة الميلاد وانتهاء بشهادة الوفاة، وما بينهما مرحلة عمرية قد تقصر أو تطول، يخضع خلالها الفرد في المجتمع النّامي، إلى العديد من العمليات الهادفة إلى تشكيل سلوكه، وهندسة شخصيته للتحكم في انفعالاته، وذلك بغية خلق ردود فعل مقصودة تجاه علاقته مع السلطة برموزها وبمدلولها الأمني، وهي ردود فعل غالبا ما ينتظرون منها بث الهلع في النفوس عن طريق حفر شقوق ضيقة في الرؤوس، لأجل زراعة بذور ورموز، هي في الواقع، عبارة عن بذور تحتضن برفق عدة كوابيس ليلية ومنبّهات داخلية ورموز خارجية، تتوسطها بناية مركز الشرطة أو (الكوميسارية )، التي نرى فوقها بدون شعور شعار القيد الحديدي، وفي الجهة المقابلة هناك الزي الرسمي أو (الكسوة) التي يحميها القانون، وبجانبها العصا أي (الزرواطة) التي لهم فيها مآرب كمآرب موسى في عصاه.
إن كل هذه الرموز غالبا ما تكون شريكة أو شاهدة أو أداة لممارسة العنف الغير المشروع بشقيه البدني والمعنوي، وهي الوسيلة التي أصبحت في عصرنا لغة التخاطب والتعايش، يعتبرونها الأصلح للتحكم في سلوكيات الأفراد، بهدف تطويعها وبالتالي إخضاعها، ونكاد نسطّر بالخط الأحمر في دفتر أحوال الوقائع اليومية على حوادث ووقائع لا يكاد يتهددها النسيان البشري.
إن ممارسة الخوف بوعي كامل ليست بالعملية التي تترك نهبا للصدفة، بقدر ما هي مرحلة أولى لتعليب اليأس وتصديره بشكل مؤلم، وذلك لتلبية الطلب الفوري والمتنامي على هاجس الأمن ومشتقاته. هذه الممارسة هي عبارة عن أنشودة يتم استظهارها في مراكز التكوين بنفس الوتيرة كل يوم، كما يردد التلاميذ النشيد الوطني.
إن ما بين الفرد والسلطة، عبارة عن حدود من قصب، تخترقها بقوة ممرات لمجرى هواء، يمتد من خلالها الخوف ويتمطّط بفعل الحرارة المرتفعة في الدول السائرة حافية في طريق النمو، فتصبح النتيجة عبارة عن تركيز جماعي مفرط لجميع الحواس، وذلك للحيلولة دون السقوط تحت أقدام السلطة التي تجيد اقتحام الحقوق برموزها السالف ذكرها، ويتحقق بالتالي المراد من المقولة الشائعة التي يلقّنها الكبار للصغار والقائلة بأن الخوف من مسافة بعيدة يعد رجولة.
لقد اكتست اليوم مثل هذه الأمثال الشعبية مشروعيتها، بعد أن تأكدت مصداقيتها، وارتقت بسرعة إلى درجة النقش في الخيال الجماعي لحفر وصايا مكلفة بمهمة رسمية، تحضّ على إتباع الحيطة والحذر، مع تقديم الولاء والطاعة لرموز السلطة، وإلاّ ستجد نفسك قد ابتلعت قبضة يد، أو استنشقت الكريات الحمراء من أنفك في مخفر الدرك أو الشرطة، بدون مبرّر ولا بمقدار حقوق الإنسان، وهذا ما يفسر عزوف الناس وخوفهم من الدخول في علاقات غير متساوية مع السلطة، حتى ولو كانت المناسبة هي أداء الشهادة لوجه الله.
ليس للحديث بقية، لأنني بدأت أسيئ النيّة عندما تذكرت أنني في مقهى يقع أمام الدائرة الأمنية.
إرسال تعليق