إعرف عدوك
وفى عام 1983 وبعد أربعة أجيال من التطوير، تم صنع أول هاتف محمول بنصف الوزن أي حوالي نصف كيلوغرام. وبحكم التطور السريع لجهاز الموبايل، تعددت الإختيارات المتاحة بالعشرات، رغم أننا لا نستعملها كلها، إلى درجة أصبحت معها هذه الهواتف المحمولة، تستخدم كجهاز حاسوب في الكف، فأعطينا ذاكرتنا وذكرياتنا لشريحة الهاتف الذكي الرقمية، وأصبح التخاطب والكلام بصمت عبر النصوص وتبادل الصور، والتهاني في المناسبات بجملة عيد مبارك سعيد وجمعة مباركة، بالإضافة إلى إمكانية تصوير النصوص والدروس، والتعرف على الوقت وعلى أحوال الطقس والبورصة والعناوين، وتصفح المجلات والمكتبات، والاستماع إلى الاذاعات، والتسلية بالألعاب الإلكترونية والكليبات الموسيقية، كما أتاح لنا هذا الاختراع إمكانية الإطلاع على الحسابات البنكية، وحجز مقاعد للسفر جوا وبحرا وبرا، وحجز الأسرّة في الفنادق بلمسة على الشاشة، وكذا ضبط أوقات الصلاة والأذان والمنبهات للاستيقاظ المبكر وغيرها من الخدمات الرقمية.
مع انتشار الهواتف على نطاق واسع، تعددت المخاطر الناتجة عن الإفراط في الاستعمال، وزادت المخاوف من الآثار السلبية المحتملة على صحة الإنسان لكونها تستخدم ترددات إشعاعية، هي مزيج من الطاقة الكهربائية والمغناطيسية، كما انتشرت ظاهرة جديدة يتم خلالها استخدام هذه الهواتف لارتكاب جرائم، لا تقل أهمية عن الجرائم الاقتصادية، كقرصنة البيانات والمعلومات وكل ما في الجهاز، لأجل بيعها أو استغلال أصحابها، ومنها أيضا الإتصالات المشبوهة التي تطلب معلومات المتصل به، لأجل إخباره بالفوز وحصوله على جائزة عبارة عن مبلغ مالي، وأحيانا أخرى نقوم ببيع أجهزتنا ونترك الذاكرة مليئة بالصور والرسائل، في حين أن هناك من يستطيع استعادة ماتم حذفه من خلال استخدام برامج وتطبيقات معينة.
ويدخل في باب جرائم سوء استعمال الهاتف كذلك، الإبتزاز والتفجير والخطف والتهديد، وانتهاك حرمة الحياة الخاصة للناس، وتصوير أمور شخصية مع التشهير والتحرش، وقد تكون هذه الهواتف الجوالة المنفذة للجرائم في ملك أناس أبرياء، لا علاقة لهم بالإرهاب وبالجرائم. وبما أن الهواتف الجوالة نعمة في طياتها نقمة، فقد تستعمل كذلك للتجسس، كما حصل مؤخرا في الإنتخابات الرئاسية الأمريكية، كما يجب الحذر أيضا من الهدايا التي تكون عبارة عن جيل جديد من الهواتف، تمنحها بعض الجهات خصوصا الأجنبية لبعض الشخصيات المسؤولة.
لكن الحقيقة الصادمة والسؤال المدوّي هو لماذا قبل البرلمانيون المغاربة بالهبة الإلكترونية الصينية، التي كانت عبارة عن حواسيب مكتبية ومحمولة، بالإضافة إلى ألواح إلكترونية وآلات للطباعة وأجهزة السكانير والتلفزات، بحجة أنها تدخل في إطار التأهيل المعلوماتي لمجلسي النواب والمستشارين؟ ألم يفكّر المسؤولون بأن هذه الأجهزة قد تصبح عبارة عن عيون وآذان صينية حاضرة في جميع الدورات البرلمانية، وفي اللقاءات داخل اللجان ومع الشركاء الدوليين.
ألم يستطع البرلماني المغربي أن يقول للصينيين: "لا تعطوني هاتفا ولكن علّموني كيف نصنعه "، وذلك على وزن الحكمة الصينية الجميلة التي تقول: "لا تعطيني سمكة ولكن علّمني كيف أصطادها ".
إرسال تعليق