/>head> tags واقع الخلل العقلي.
U3F1ZWV6ZTM4NzI4NTMzMTQzODI4X0ZyZWUyNDQzMzMwNzU5Njc1MA==

واقع الخلل العقلي.

 واقـع الخلل العقلي

الحمقى في الطرقات

  يحتفل العالم في اليوم الثالث من دجنبر من كل سنة باليوم العالمي لذوي الاحتياجات الخاصة، وذلك لتذكير المجتمع الدولي بضرورة ضمان حقوقهم بسن التشريعات المناسبة، وبزيادة الوعي لدى الدول بقضايا جميع أصناف المعاقين، ممّن نقصت قدراتهم العقلية أو الجسدية نتيجة عاهة مستديمة.

  سوف نخص بالذكر هنا المختل عقليا، والذي تعدّدت التسميات في حقّه بالمغرب، منها الأحمق والمجنون و(مسطّي وهبيل ومزنزن وهداوي ومجدوب)، وأخرى تتسم بشيء من التبرم وغيرها من مفردات القاموس الجارح للّفظ. هؤلاء في الواقع، مرضى تختلف درجات إعاقتهم، وقد يحول مرضهم دون انخراط بعضهم في الحياة الاجتماعية، وبحكم أنّ المنطلقات الذاتية والأنظمة الاجتماعية من عادات وتقاليد تؤثر سلبا أو إيجابا على مواقف وسلوك الناس، فإن وجود الاختلاف في النظر إلى المعاق عقليا يعتبر أمرا طبيعيا، على اعتبار أن عامل الوفاء للقوالب النّمطية الموروثة والصيغ المألوفة، هو من صفات مجتمعاتنا العربية، فالمخزون الاجتماعي من التراكمات المتخيلة في الذهنية الشعبية، غالبا ما يؤثر في التعامل مع المعاق ذهنيا داخل الأسرة، بحيث يقع التأرجح بين القوة واللّين، أو اليأس والأمل، أو العلم والشعوذة والمارستان والضريح.

   الكل يعلم أن المرجعية النفسية والاجتماعية للأفراد، هي التي تطبع المفاهيم التي بدورها تختار ما يلائمها من التعاريف والتحليلات المستندة إلى الذاكرة الشعبية، فنسمع بالخلل العقلي الذي ينسب إلى الجن أو لتعاويذ السحرة، أو الذي مردّه بكل بساطة إلى ''دعوة الوالدين'' أي عقوق الأبوين، وغير ذلك من الوصفات الجاهزة غير منتهية الصلاحية للسيطرة على العقول والقلوب، فيصبح الخلل العقلي بمثابة شرخ مهين ووصمة عار في وسط شجرة العائلة، يحيث يتنفس أفرادها من خلاله الخيبة والإحباط والذّل والمهانة، لدرجة تجعل أب المعاق ذهنيا، يكاد يتحسّس أصابع الاتهام تتهمه من خلف ظهره، وتفتش في محتويات ماضيه، وذلك لأجل تبرير ما يقوله الطرح التقليدي المتجاوز، والذي يؤكد على أن عاهة الأبناء هي في حد ذاتها عقوبة بدنية ودنيوية نتيجة إثم  اقترفه الآباء.

  إن ما يفسر هذه المقولات السائدة والبائدة، هو المغالاة المفرطة في الردع وفي سوء معاملة بعض العائلات لبعض الأبناء من المختلين عقليا، معاملة تنم بالأساس عن قصور كلّي في المفاهيم العلاجية الراسخة في الأدمغة الملحوسة، والتي تتجلّى في تحرك السلاسل الحديدية لاعتقال الأيدي والأرجل، وتغييب المختل عقليا في غرف أو دهاليز وسراديب مظلمة وجائعة كعصا موسى، تلقف كل معتوه أخرجته المفاهيم المقلوبة من حظيرة البشر، ليغدوا توأما لجسم على أربع، تخرج المعاق من آدميته، وتسكنه في زنازين الأضرحة التي لا زال البعض يؤمن ببركات دفينها، على أمل في اعتقاد خاطئ في أن الحاجة ستُقضى، والرغبة ستُلبّى،  والمريض سيُشفى، عندما يتجلى دفين الضريح أو الزاوية، كإشراقة في منام المعتكفين، ليشفي أبنائهم، ويمسح إعاقتهم، وعندما يطول الانتظار يتحّول الحكم المحدّد إلى حكم مؤبّد داخل الضريح.

   ما دامت هذه الأفكار البدائية والممارسات الكانيبالية لا زالت تطفو على سطح المجتمع كل يوم في غفلة منّا، وذلك رغم الحداثة ورغم العولمة ورغم العلم والمعرفة. فلا يمكن أن نؤمن بأن مآلها حتما إلى التراجع، نتيجة وضعها وجها لوجه أمام التحديث والثقافة والعقل والمعرفة، أو بترك الشيخوخة تقفز عليها حتى تخسر هذه المفاهيم مواقعها ويرهقها حجمها. ودليلنا في ذلك، هو أن شوارعنا وبوادينا لا زالت تتردّد فيها يوميا عبارة اللهم إن هذا لمنكر، أمام كثرة أصناف الحمقى المتجولين بين الناس، فمنهم من يرشق المارة بالحجارة، ومنهم من يرتكب جرائم القتل، وآخرون يمشون عراة.

أمام هذه ظاهرة، من حق كل مواطن أن يستفسر عن الأسباب والخلفيات الكامنة خلفها، في غفلة عن أعين وتدخلات السلطات البصيرة، التي أياديها قصيرة وعاجزة عن الحماية الاجتماعية لهؤلاء، فلا داعي لوجع الدماغ وإرهاق النفس في البحث عن منهجية علمية تعيننا على تحليل الظاهرة تحليلا اجتماعيا أو ثقافيا أو نفسيا، فالأمر كل الأمر يتلخص في كلمة اللامبالاة، فالعبرة من وراء احتفال جميع دول العالم بالأيام الدولية أو الوطنية هي تقييم المنجزات ودراسة الآفاق المستقبلية، دون اللجوء إلى السياسة الاحتفالية، وإلقاء الخطب المليئة بالسعرات الحرارية، لأن ذلك دليل مادي ومعنوي على وجود فهم سطحي مغلوط لمدلول العمل الاجتماعي، ولضآلة المنجزات وعدم تطبيق التشريعات في هذا المجال.   

   نحن في بيئة هبطت مقاييسها مادام الوعي مُمزّق ومُشتّت، وفي ظلّ سيادة سياسة التهميش والإقصاء، حتى أصبح الأمر مدعاة لليأس، ممّا يجعلنا جدّ متطرفين في التشاؤم، لأن الهوة تتسع يوميّا بين الواقع المؤلم والواقع المأمول، ومع ذلك  لن نمانع الحبر مستقبلا من تكرار فعلته.

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة