ويتم ذل من خلال التجارب الشخصية والجماعية للكبار، ومن خلال أيضا المضامين والأنشطة التعليمية الهادفة إلى تأهيل المستفيد من مشروع محو الأمية وتعليم الكبار، كي يستطيع إرساء وبناء واكتساب تعلّمات مهارات جديدة، على أساس أن يكون الانطلاق من التملك الأوّلي البسيط لأدوات اللغة العربية على مستوى الكلمات والحروف (تعبيرا وقراءة وكتابة)، ووصولا إلى مستوى التعبير الكتابي والشفوي الوظيفي في الحياة اليومية لمواصلة التعلم الذاتي.
ثانيا. تلبية الحاجات والدوافع الحقيقية.
ويتم ذلك بواسطة محدّدات الحاجيات المعبّر عنها من طرف الأميين الكبار، سواء من خلال المقابلة الشفوية أو ملئ الاستمارات التشخيصية وغيرها، وذلك من أجل معرفة هؤلاء المتعلمين معرفة حقيقية، سواء من حيث معلوماتهم السابقة، ومستوياتهم الاجتماعية والاقتصادية.
لقد أثبتت الدراسات أن المتعلّم الكبير، يكون قابلا لبذل الجهد والتحمل كلّما كان العمل المطلوب مراعيا لطبيعته النفسية، ملبيا لحاجاته الملحة.
ثالثا. تغيير مهام المعلم والمعلمة.
ويكون ذلك عن طريق لعب عدة أدوار منها، دور المنشط (ة) والمسهل لدروس محو الأمية، وأيضا دور المدرب (ة) لعمليات التعلم والتواصل داخل أقسام المتعلمين الكبار، بالاضافة إلى دور الفاعل الاجتماعي الذي يتفاعل مع محيط الدارسين من حيث قيامه بدور الوسيط بين مختلف مكونات المجتمع المدني، وكذلك بصفته المسؤول على مختلف مراحل التعلم.
رابعا.خلق وضعية تعليمية خاصة.
وذلك تهيئ المناخ والجو الملائم ليشعر الأمّي الكبير بالقبول من طرف الآخر، وتزيد ثقته في نفسه وفي الآخرين رغم الاختلاف مع الغير الذي هو أمر طبيعي، ورغم إمكانية الوقوع في الخطأ والتي تكون واردة في كل لحظة وحين.
خامسا.وجود بيئة محفزة للمكونين والمتعلمين لضمان النتائج الجيدة وذلك عـبر:
خلق نظام الممرات والمسالك لمواصلة التعلّم لدى المتحررين.
إدخال خدمات الكشف الصحي المجاني لفائدة المتعلمين.
برمجة الأنشطة الترفيهية والرحلات والمسابقات.
إحداث مشاريع مدرة للدخل حينما يتم ربط محو الأمية بالتكوين.
الزيادة في المنح والتعويضات ومعالجة الوضعيات الإدارية للمكونين.
تكثيف الدورات التكوينية لفائدة المشرفين على برامج محو الأمية.
تحسين ظروف العمل في المدارس والفصول ومقرات الجمعيات وملائمة التجهيزات مع خصوصيات الكبار.
ماهو تعليم الكبار؟
يبدأ تعليم الكبار من سن الخامسة عشرة ويستمر حتى آخر الحياة، كما يبدأ من مستوى محو الأمية ويستمر إلى الجامعة، وذلك ضمن إطار أطلبوا العلم باستمرار من المهد إلى اللحد. ويسعى العلماء إلى تأصيله تحت اسم الأندراغوجيا (Andragogie) أو علم تعليم الكبار المتميز عن تربية وتعليم الصغارالمسمّى البيداغوجيا (Pédagogie). فإذا كان تعريف تعليم الكبار يتأثر بالأوضاع الاقتصادية والثقافية السائدة في البلد، بنصيب المجتمع من التقدم، فيمكن إجمالا تعريفه على أنه: إتاحة الفرصة للكبار (من 15 سنة فما فوق) للحصول على احتياجاتهم التعليمية، انطلاقا من مرحلة محاربة الأمية ووصولا إلى التعليم الجامعي، لأجل الرفع من مستواهم الاجتماعي والاقتصادي، مما يتيح لهم المشاركة الفعالة في التنمية، وذلك في إطار التعليم المستمر مدى الحياة.
وعلى هذا الأساس، يمكن اعتبار تعليم الكبار أو تعليم الراشدين على أنه عملية تعليم الكبار من خلال برامج "التعليم المستمر" في المدارس غير النظامية وفي أماكن العمل، أو في الكليات أو الجامعات المفتوحة، أو من خلال برامج التكوين المهني، والتعليم عن بعد، وبرامج الإرشاد الصحي و الفلاحي و دورات التنمية الشخصية أو الذاتية الخ.
كما يتميز تعليم الكبار بوجود مجموعة من الهيئات والمؤسسات متنوعة الخدمات، سواء الخاضعة لوصاية الدولة أو العاملة في مجال المجتمع المدني التطوعي. أما على المستوى الدولي، فيمكن اعتبار بعض المنظمات الدولية ومؤسسات تعمل في إطار تعليم الكبار، كمنظمات اليونسكو والإيسيسكو، والمنظمة العالمية للصحة، ومنظمة العمل الدولية واليونسيف وغيرها. ومع ذلك، لازال مفهوم تعليم الكبار يتطور ويتجدد بحيث تظهر تعريفات جديدة كلّما ظهر قصور في التعريفات القديمة.
تعليم الكبار ومحو الامية.
1. على المستوى العربي.
ليس هناك تعريف محدد للكبار في جميع الدول العربية، بحيث يكاد ينحصر مفهوم تعليم الكبار في برامج محو الأمية.فنجد غالبية المؤسسات الحكومية المكلفة ببرامج محو الأمية والقوانين المنظمة لها تسمى محو الأمية وتعليم الكبار،فأصبح تعليم الكبار عبارة عن دروس لمحو الأمية تتبع أسلوب تعليم الصغار انطلاقا من المدارس الابتدائية، ومن طرف معلم المدرسة مع توظيف مناهج الصغار، ثم التقويم والامتحانات وتسليم شهادات محو الأمية. في حين أن تعليم الكبار له أشكال متعددة تختلف من دولة لأخرى حسب الإيديولوجية السائدة والوضع الاقتصادي. وما يفسر ذلك كون العديد من الدول السائرة في طريق النمو، وجدت نفسها بعد الاستقلال تعاني من ثقل آفة الأمية لعقود من الزمن، فلم تستطع إلى اليوم تطبيق مفهوم تعليم الكبار كما تبنته البلدان المتقدمة التي غالبية سكانها تعرف القراءة والكتابة.
وعلى اعتبار أن محو الأمية تعتبر جزءا من مجال تعليم الكبار، فإن هناك من الدول من تصر على تقديم تعليم الكبار بدون برامج محو الأمية. في حين، يرى المتخصصون أنه من اللازم البداية بمحو الأمية أولا، ثم الانتقال إلى تعليم الكبار فيما بعد، على اعتبار أن برامج محو الأمية هي الأساس بالنسبة لتعليم الكبار كما هو الشأن في غالبية الدول التي تعتبر تعليم الكبار مرادفا لمحو الأمية.
2. على المستوى العالمي.
يشتمل تعليم الكبار في الدول المتقدمة على مجموعة متكاملة من البرامج الموجهة إلى شرائح عديدة من المواطنين، منها برامج لمحو الأمية لفائدة الأشخاص المتعلمين لمدة خمس أو ست سنوات فقط أي ( les illettrés )، ويتعلق الأمر بالذين فقدوا مهارات إتقان القراءة والكتابة والحساب مع مرور الزمن. كما أن هناك برامج أخرى في التكوين المهني في فرنسا مثلا والذي هو أحد أشكال تعليم الكبار، الهدف منه هو استمرار عملية تدريب عمال المصانع والمؤسسات الإنتاجية، من أجل اكتساب كل ما هو جديد في مجال عملهم من مهارات ومعارف، وذلك عبر اتفاق بين أرباب العمل والعاملين لاختيار البرنامج التدريبي المناسب.
كما تلعب مدارس ومراكز التعليم العام دورا كبيرا في برنامج تعليم الكبار لفائدة المسنين والمهاجرين والعاطلين عن العمل واللاجئين ومدمني المخدرات، وكذلك الأمهات العازبات وغيرهن. أما التعليم الجامعي عن بعد، فهو مفتوح في وجه كل من يرغب في متابعة الدراسة العليا بدون شرط السن، يتوج بالحصول على شهادة جامعية بالمراسلة معترف بها.
مؤتمرات اليونسكو الخاصة بتعليم الكبار.
اليونسكو هي منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة بالإنجليزية: ( Organisation des Nations unies pour l'éducation, la science et la culture) واختصارها (UNESCO)، وهي وكالة متخصصة تابعة للأمم المتحدة مقرها مدينة باريس، تأسّست في عام 1945، وأصبحت تابعة للأمم المتحدة في سنة 1946. تقوم هذه المنظمة بجهد دولي في مجال دعم برامج تعليم الكبار ومحو الأمية في جميع دول العالم. كما تسعى إلى تحقيق التبادل العلمي مع مختلف الثقافات العالمية من خلال عقد مؤتمرات دولية على نطاق العالم بأجمعه، لمناقشة مختلف الجوانب المتعلقة بتعليم الكبار. وفي ما يلي مقتطفات من أهم التوصيات والقرارات الواردة في مؤتمرات اليونسكو لتعليم الكبار:
1. مؤتمر السينور بالدانمرك في سنة 1949.
بعد صدمة الحرب العالمية الثانية، دعا المؤتمرون في هذا اللقاء العالمي إلى ضرورة خلق سياسات وبرامج لتعليم الكبار تنبني أساسا على تلبية حاجات واهتمامات الكبار. ولأجل حل النزاعات الدولية، تم التركيز في التوصيات على مساهمة الجميع في ترسيخ مبادئ التسامح والتعايش والديمقراطية ودعم الجمعيات التطوعية لتطوير التعليم الشعبي.
2. مؤتمر مونتريال بكندا في 1960.
ما بين المؤتمر الأول والثاني، استقلت العديد من الدول في آسيا وإفريقيا، وعرف العالم تقدما تكنولوجيا من خلال استكشاف الفضاء. فقد ناقش المؤتمر قضية المساواة في التعليم وإيجاد الظروف الملائمة كي يصبح تعليم الكبار مكونا رئيسيا وعاملا حيويا في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لشعوب العالم.
3. مؤتمر طوكيو لسنة 1972.
تم تأكيد الدعوة مرة أخرى إلى تعميم تعليم الكبار وإتاحة الفرصة لكل فرد، أيا كان مستواه أو عمره أو جنسه، لإعطاء المزيد من فرص التعلم والعمل في مجتمع ديمقراطي وإنساني. كما اهتم المشاركون بموضوع التعليم مدى الحياة واعتبار تعليم الكبار ليس خدمة اجتماعية فقط بل استثمار، مما يلزم الدول بضرورة تخصيص ميزانيات أكبر لدعم الوزارات والهيئات المسؤولة.
4. مؤتمر نيروبي عام 1976.
أسفرت أشغال هذا المؤتمر عن عدة مشاريع منها مشروع التعليم للجميع مدى الحياة، ويتم توفير التعليم الأساسي للأطفال، وتعزيز محو الأمية والتعليم غير النظامي بين الشباب والكبار. كما اعتمد هذا المؤتمر التوصية الخاصة بتنمية تعليم الكبار باعتبارها الوثيقة التقنية الرئيسية التي تتناول السياسات والممارسات الخاصة بتعليم الكبار، لكونها وضعت مبادئ توجيهية تعتبر نهجاً شاملاً لتعزيز وتنمية تعليم الكبار.
5. مؤتمر باريس سنة 1985.
تم خلاله الحديث ولأول مرة عن حق جديد من حقوق الإنسان وهو الحق في التعلّم لتحقيق الأمن الثقافي، وتم التأكيد على مبدأ المساواة الكاملة للحصول على فرص التعلّم واعتبار ديمقراطية التعليم هي المبدأ الأساسي لتعليم الكبار. كما ركّز هذا المؤتمر في بيانه على أن تحتل برامج محو الأمية الموقع الرئيسي في تعليم الكبار لدى جميع الدول.
6. مؤتمر هامبورغ 1997.
تم تسليط الأضواء في هذا المؤتمرعلى أهمية محو أمية الكبار البالغين، كما قامت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، وجهازها المتخصص (الجهاز العربي لمحو الأمية وتعليم الكبار) بالعديد من الأنشطة المتنوعة، منها وضع استراتيجية عربية لمحو الأمية عام 1976، واستراتيجية عربية لتعليم الكبار عام 1997.
7. مؤتمر داكار 2000.
أكدّ هذا المؤتمر ما ورد في الإعلان العالمي للتربية للجميع (جومتيين 1990)، بخصوص ضرورة مشاركة المجتمع المدني في تطوير ورصد السياسات العامة للدول. بالاضافة إلى مطالبة المجتمع الدولي بمنح الأولوية لبرامج محو الأمية وتعليم الكبار.
8. مؤتمر اليونسكو العالمي للتعليم من أجل التنمية المستدامة (ألمانيا 2009).
تمحور المؤتمر حول عدة أهداف منها، تسليط الضوء على أهمية التربية من أجل التنمية المستدامة للجميع، وتعزيز التبادل في مجال التربية من أجل تنمية بعيدة المدى بالأخص ما بين دول الشمال ودول الجنوب، وتطوير استراتيجيات مستقبلية في مجال تعليم الكبار.
9. عقد الأمم المتحدة لمحو الأمية (2003-2012).
تم الإعلان عن عقد الأمم المتحدة تحت شعار " تعليم القراءة والكتابة حرية "، ويتضمن العديد من الإجراءات التي تخص محو الأمية للجميع، وذلك لتعزيز القدرات وتحسين معدلات محو الأمية في كل العالم. وتعد مبادرة محو الأمية من أجل التمكين أو ما يعرف (-The Literacy Initiative for Empowerment -LIFE) هي آلية لاتخاذ الإجراءات لأجل الرفع من معدلات محو الأمية في كل أرجاء العالم.
ما هي مجالاته؟
شهد العالم تطورا كبيرا في مجالات تعليم الكبار، بحيث تعددت البرامج التدريبية وتنوعت أساليب التثقيف والتوعية، باعتبار تعليم الكبار مكونا أساسيا من مكونات التربية البشرية. وتختلف هذه المجالات حسب السياسات الوطنية لكل دولة. ومن هذه المجالات الموجودة في المغرب نذكر مثلا:
1. الإرشاد الفلاحي.
يعتبر الإرشاد الفلاحي من أنجح البرامج في مجالات تعليم الكبار، لكونه يسعى إلى محو أمية الفلاحين ذكورا وإناثا، وتحسين كفاءتهم العلمية والعملية في مجال الزراعة وتربية الماشية، والتعاونيات الفلاحية والمشاريع المدرة للدخل.
2. الإرشاد أو التثقيف الصحي أو التوعية الصحية.
ويتم ذلك من خلال خدمات المراكز السوسيو اقتصادية التابعة لمؤسسة التعاون الوطني، والتي تستقطب فئات اجتماعية هشة من النساء في القرى والمدن، مع توفير حوافز عينية لأجل استمرارية إقبالهن على برامج محو الأمية، والإستفادة كذلك من مساعدات عينية، وبرامج التكوين والتوعية الصحية لرعاية صحة الأم والطفل.
3. التكوين المهني.
هو منظومة تكوينية تهدف إلى تكوين الشباب وتأهيلهم في تخصصات مختلفة تضمن لهم دروسا نظرية وتطبيقية، في مجالات السياحة والفلاحة والصناعة التقليدية والصيد البحري وصناعة السيارات ومكونات الطائرات وغيرها. والتكوين المهني يخضع لنفس المقاييس والشروط التي تخضع لها مختلف المعاهد والمؤسسات التعليمية. ولا يقتصر التكوين على المراكز التابعة للحكومة، بل هناك أيضا مؤسسات التكوين المهني الخاص المعترف بها.
كما يشهد هذا المجال من تعليم الكبار توسعا كبيرا وإقبالا متزايدا من طرف المتعلمين الكبار، خصوصا عندما انطلقت برامج محو الأمية الوظيفية باللغة العربية وبالفرنسية داخل المقاولات الصناعية أو ما يسمى بمحاربة الأمية الوظيفية باللغة الثانية وعلى المقاس (Alphabétisation fonctionnel sur mesure en langue seconde)، وذلك من خلال تأهيل العمال الأميين من كبار السن وإكسابهم مهارات تساعدهم على التطور والتأقلم مع التقنيات الجديدة لكي يحافظوا على مناصبهم.
ومن مجالات تعليم الكبار أيضا برامج التربية السكانية عبر الملصقات أو الإعلانات التلفزية لمحاربة الرشوة أو التوعية الطرقية أو الحملات لمحاربة السيدا وغيرها. ويدخل كذلك في هذا الإطار الدروس الخصوصية في مدارس خاصة، والتعليم عبر المراسلة عن بعد وخدمات المكتبات ودور الشباب وغيرها.
حـكـمـة الـيـوم:
قطرة المطر تحفر في الصخر
ليس بالقوة بل بالتكرار.
وللمزيد من المعلومات حول خصائص تعليم الكبار و الفئة المستهدفة، ثم الفوارق بين تعليم الصغار وتعليم الكبار، وأيضا دوافع المتعلم الكبير ومواصفاته وحاجاته. يمكنك أخي القارئ الرجوع إليها عبر الإنتقال إلى الرابط التالي:
الاندراغوجيا وتعليم الكبار (الجزء الثاني)
وشكرا عـلى الـمتابعة.
إرسال تعليق