/>head> tags قاعة الانتظار
U3F1ZWV6ZTM4NzI4NTMzMTQzODI4X0ZyZWUyNDQzMzMwNzU5Njc1MA==

قاعة الانتظار


قاعة الانتظار



                                                                                      
قاعة الانتظار

القاعة أو الصالة هي المكان الفسيح الذي يسع جمعا عظيما من الناس، قد يكون مكانا عاما لإقامة الحفلات الموسيقية أو الأعراس أو المباريات الرياضية، أو مكان للانتظار قد تجده في بعض المؤسسات العمومية التي تستقبل المنتفعين من المرفق العام للاستفادة من خدمة إدارية منتظرة، أوفي المستعجلات الطبية وغيرها من قاعات الانتظار الموجودة في المحطات الطرقية والسككية والتي أصبحت في الحقيقة عبارة عن قاعات للجلوس عوض الانتظار.

أما صالة الانتظار داخل العيادات الطبية الخصوصية، فهي عبارة عن صالون تحيط به مقاعد مريحة وتتوسطه طاولة مربعة أو مستديرة، وقد يعلق في أحد جدرانها جهاز تلفاز مبرمج لالتقاط البرامج الوثائقية، وعلى الجدران صور ملونة بتعليقات فرنسية لها علاقة باختصاص الطبيب أو الطبيبة.

والغريب في الأمر أنه بمجرد وضع الخطوة الأولى بباب أية قاعة للانتظار، ترى الوجوه الزائرة تسرق النظرات من بعضها البعض، وكل وافد جديد يلقي السلام على الجميع ولا تسمع رد السلام إلا من الحاضرين، أما جل الحاضرات، فيعتبرن الجواب بمثابة مفتاح لباب المناقشة الغير مرغوب فيها، والتي كانت نسائية بامتياز قبل أن يفسدها دخول بعض المرضى من الرجال للقاعة ليتحول الكلام إلى همس.

هذه الصالونات، هي أفضل مكان للإطلاع على السير الذاتية للأطباء والتي يملك بعض المرضى تفاصيلها بدقة، كما يتم فيها توصيف بعض الأمراض وتبادل الوصفات البينية الشعبية وطرق العلاج الناجحة والمجربة بين الحاضرين والحاضرات، إضافة إلى تبادل عناوين أشهر المختبرات المعروفة بجودة نتائج تحليلاتها الطبية.

فقد يشتد عليك الحصار داخل حجرة الانتظار، فقد تقضي ساعات مرغما أمام شاشة صغيرة، فتشاهد برامج عن حياة الحيوانات البرية في الأدغال الإفريقية، وتستبد بك الشكوى من طول الانتظار وعدم وصول الطبيب(ة)، وعندما يتطوع أحدهم بالسؤال عن سبب التأخر، يأتيه الجواب الروتيني والممل الذي هوعبارة عن أسطوانة مشروخة، تقول بأن سبب التأخر يرجع إلى وجود الطبيب (ة) في عيادة أخرى أمام حالة مستعجلة، أو أنه واقف على رأس مريض مخدّر في غرفة العمليات، مما يزيد من أساليب الدعاية الطبية لصاحب(ة) العيادة، فيرتقي الطبيب إلى أعلى درجة من العلم والشهرة، مما يجعل الاطمئنان يدب في قلوب المنتظرين الحائرين والمتنقلين من عيادة لأخرى طلبا للخلاص من الألم ومن المرض.

أمام هذا التأخر الذي أصبح حقيقة مرّة كالدواء، يتم تشغيل الهواتف المحمولة، لتبرير التأخر من طرف الذين لا تسمح ظروف عملهم وعملهن بتجاوز الرخصة الممنوحة، كما يقفز آخرون مسرعين للنزول إلى الشارع قصد تمديد وقت توقف سياراتهم بساعة أو ساعتين قرب الأرصفة المؤدى عنها.

حين يحضر الطبيب(ة) تحضر شكوى المرضى من بعض الممارسات كتفضيل بعض الممرضات لبعض المريضات، فتدور مقولة في رؤوس الحاضرين وهي عبارة عن رسالة مشفّرة تؤكد على أن الكل أبناء تسعة أشهر، ويتبادل الجالسون النظرات والعبارات بل والسؤال أحيانا عن السر وراء المناداة على بعض المرضى ممن حضروا متأخرين، وأطالوا الحديث أمام مكتب الاستقبال، ليكون الجواب على الوجه الآخر من الأسطوانة المشروخة سابقا والذي مفاده أن الدخول مرتّب حسب المواعيد، ولا دليل للحاضرين على ذلك، بخلاف عيادات أخرى تستعمل أسلوب توزيع أرقام تسلسلية على كل وافد جديد، لتفادي سوء الفهم، وللحفاظ على هدوء القاعة.

سدّت الأفواه بمفاتيح الصمت، وفضّل أناس آخرون مرافقة الهواتف الذكية برؤوس مطأطئة لا ترفعها إلا للنظر إلى كل وافد جديد، أو للنظر إلى الممرضة التي تطل ببذلتها البيضاء منادية بالأسماء كما لو كنا في القسم.

إنهم زبناء، حفظوا عن ظهر قلب عناوين أغلفة المجلات المتراكمة فوق الطاولة، وإذا أردت أن تنتقل إليك عدوى المرض، فاطلبها في قاعات الانتظار وفي العيادات، بحيث تجتمع الأمراض كالمرضى في القاعة، وتتبادل التحية بينها لتتعارف، فعندما تسمع الزفرات من الصدور والكحّات المدويّة والعطسات المعدية والأنوف التي ترشح، فاعلم أن هناك بكتريا وفيروسات تسبح في الفضاء، وأخرى تلتصق في ثنايا المجلات الملونة القديمة، والتي يتداولها المرضى المنتظرين داخل قاعات الانتظار.

عندما يسود الصمت، ويطول الوقت، يقوم الحاضرون بإعادة تصفح هذه الجرائد القديمة بنفس الطريقة، أي من أسفل كل ورقة، والأخطر من ذلك، هو لجوء بعض المرضى إلى لمس أو لحس ألسنتهم بأصابعهم، وذلك بغية استعمال الريق لتفريق الصفحات الملتصقة لكثرة الاستعمال، فتتحرر المكروبات من سجنها، فتخرج كالعفريت من الجرة، لتسكن الأمراض الجديدة والتعفنات والمكروبات في صمت داخل الأبدان الدافئة، ونفس الشئ يذكر عندما نقوم بزيارة مرضانا في العيادات، بحيث ترى الجميع يلمس مقبض الباب وزر المصعد، ويمسك أيضا بالحديد أو الخشب أثناء الطلوع أو النزول من الدرج، مع العلم أن عدد الزوار يقدر بالمئات، وعدد المكروبات في بصمات آلاف الأيادي تلمس كل جزء من الملك العمومي، لأننا قوم نتصافح كثيرا بالأيادي وبالوجوه، فضلا عن كوننا لا نمنع أيدينا من العبث بوجوهنا وأنوفنا وأعيننا، بل وحتى بأيادي وأجسام أبنائنا.

عفوا عن متابعة الكتابة، لقد تمت المناداة عليّ باسمي وحان دوري وسأغادر صالة الانتظار.

                                                        

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة