هـل الـكتابة شغب على الجدران؟
تعود جذور عادة الكتابة على الحائط إلى سن جد مبكرة لدى الأطفال في العالم بأكمله. وعندما يتجرؤون بالكتابة على الجدران داخل البيوت ليتركوا أثرا كشكل من أشكال الشغب والتعبير عن الذات، يلجأ الآباء دائما لأسلوب العقاب بالتأنيب والتعنيف.
لقد ترعرعت هذه العادة لدى الصغار ورافقتهم وامتدت عبر الزمن من خلال سلاسل الأجيال، لتشمل العديد من جدران الأقسام والمدارس والمراحيض، حتى أصبحت عبارة عن سبورات إسمنتية، وصحف جدارية، ودفاتر مفتوحة، وكراسات ملونة صالحة للكتابة والرسم من طرف المراهقين، الذين وجدوها متنفسا لتفريغ المكبوتات، ولتصفية الحسابات والثأر من بعضهم البعض، سواء بالقذف والتشهير أحيانا، واستعمال عبارات تخدش الرأي الخاص و العام.
لم تسلم جدران البنايات في الشوارع من الكتابات والرسومات التي أصبحت تسمّى (الغرافيتي)، حيث يتم استعمال البخّاخ والصباغات الملونة، وذلك للتعبير عن حالات انفعالية، سواء تعلق الأمر بعلاقات إنسانية، كأن ترى القلوب تقطر دما بعدما اخترقتها السهام، مع كتابة الحروف الأولى من أسماء العاشقين على شكل معادلات حسابية داخل إطار من الورود و الفراشات، أو تعلق الأمر بتعصب لنادي معين لكرة القدم الوطنية أو الأجنبية، بحيث يتم رسم شعارات الأندية مع نتائج المباريات وقليل من التعليقات. وفي مدارس الكبار، يتم اكتشاف مواهب شابة من التلاميذ، الذين تسمح لهم الإدارة في بعض المناسبات، بكتابة ورسم رسائل هادفة وشعارات تربوية ومدرسية، لكن خلف أسوار المدارس تكتب النفوس المراهقة بالفحم أو بالصباغة، كل ما تعجز عن التعبير عنه والجهر به صراحة أمام أنظار الآخر، لكونها تشعر بالخجل وبالخوف من ردود الأفعال غير المحمودة، فتراهم يعمدون أحيانا إلى الإساءة للأطر المدرسية، واستهدافهم بشعارات على الجدران التي أصبحت بمثابة سبورة نقابية، تنقل صوت المقهورين فيكتبون بالدارجة المغربية: (فلان بلا رجولة) و (فلان سر في حالك القسم ماشي ديالك) أو (لقرايا عند فلان زيرو) أو (المعلم فلان شوهة) وغيرها من عبارات الدارجة المغربية، والتي هي عبارة عن أفكار وآراء نائمة في الصدور وخائفة على النفوس، مما يستدعي تدخل إدارة المدرسة، فتلزم بعض التلاميذ بالقيام بمحوها أو إعادة صباغتها، على اعتبارها أنها تشوه المنظر الجمالي والأخلاقي للمؤسسة، وحتى لا يتحول الجدار إلى مدونة أو منتدى يزوره العديد من الشباب لتدوين تعليقاتهم بالرموز الدالة على الإعجاب كما في منصات الدردشة الالكترونية.
لقد امتدت هذه الظاهرة مع كامل الأسف، لتشمل أيضا جدران المراحيض العمومية على قلّتها ورداءتها، والتي تعتبر المكان الذي يحتجز فيه الفرد نفسه بطريقة إرادية لمدة معينة، كي يحصل فيها على قسط من الراحة ومن التعبير الحر، بواسطة كتابة عبارات ونقش رسومات بديئة، إضافة إلى كتابة أرقام الهواتف المحمولة المرفقة بأسماء شخصية قد تكون وهمية، رغبة في عدم الكشف عن الهوية الحقيقية، وذلك طلبا للتواصل، انطلاقا من مقاعد المراحيض، ولأجل ربط علاقات قد تكون لها رائحة كريهة، بعيدا عن رقابة الضمير والمجتمع.
إن لغة الاحتجاج الصامت واللجوء إلى الجدران، لمخاطبة الآخر بحروف نارية متمردة، هي نتيجة دوافع نفسية أكثر منها دوافع فكرية. فجميع الأفكار التي تنشر على الجدران بدون رقابة، وفي غيبة مدير التحرير ومقص الرقيب، ربما تتفوق على بعض الصحف من حيث عدد المحررين وعدد القراء، رغم أن مضمونها غير صالح للنشر.
أليس التعبير حق من
حقوق الشبان؟ أليست الجدران سجل لهتاف الصامتين من الشبان؟ فمن أين تكون البداية؟
هل بتنظيف الجدران أم بتنظيف عقول الشبان؟ أم كلنا نشبه القمر، له جانب مشرق وجانب
مظلم.
إرسال تعليق