لغتنا العـربية
فسر الباحثون سر تسمية اللغة العربية بلغة الضاد لوجود حرف الضاد فيها والذي يجد غير العرب صعوبة في نطقه نطقا سليما. ونظرا لأهميتها ومكانتها، أصبح العالم يحتفل باليوم العالمي للغة العربية وذلك في الثامن عشر من شهر ديسمبر، كذكرى اعتمادها من بين اللغات الست الرسمية لدى منظمة الأمم المتحدة.
واللغة العربية من أغنى اللغات في العالم، بحيث يقدر عدد كلماتها ب 12.3 مليون كلمة مقابل 600 ألف كلمة في اللغة الانجليزية، كما أنها غنيّة أيضا من حيث الأصوات والمفردات والصرف والنحو والإعراب والبلاغة والمترادفات. فمثلا، فيها خمسمائة اسم للأسد فقط، وللعسل ثمانين اسما واللائحة طويلة، كما أنها مصنفة بين أصعب خمس لغات في العالم، ولكتابتها عدة خطوط أشهرها خط النسخ وخط الرقعة والخط الكوفي. كما يمكن لنا السباحة بأمان في بحور الشعر العربي التي يبلغ عددها ستة عشر بحرا ليست كالأحمر أو الأبيض المتوسط أو الميت. والأهم في لغتنا العربية هو جمالية اللفظ الواحد في كلمات تتفق أحرفها وتختلف معانيها، وذلك حسب الاستعمال وحسب السياق، مما يضفي دائما جوا من الدعابة على التعبير الواحد متعدد المعنى.
إن هذه اللغة التي فاقت أخواتها بكثرة مفرداتها وغزارة معانيها، أصبحنا اليوم نتداول كلماتها في سياق آخر، ونفسّر حروفها حسب أنسابها ومعانيها. فحروف النصب مثلا المعروفة لدى التلاميذ والمكوّنة من أن ولن وإذا وكي، فهي تمارس النّصب على كلماتنا في أوقات الإعراب وحصص النحو داخل أقسام المدارس المختلطة، وإلى يومنا هذا لم يتوصل رجال ونساء الأمن بأي شكاية ضد عناصر عصابة حروف النصب المذكورة، والمتخصصة في النّصب بالفتحة على كل فعل يقع أمامها. ومن منا لا يتذكر التمييز الذي لا زال يدرّس في مناهجنا التعليمية، رغم نضالات الجمعيات النسائية المناهضة للتمييز السلبي، والداعية للمساواة وللمناصفة.
وفي لغتنا الفصحى أفعال وأسماء متضامنة، اتّفقت من زمان على تأسيس مجموعة تعرف بالأفعال والأسماء الخمسة، لكونها تخاف من العين وليس من الغين. أما الممنوع من الصرف، فلا يمكن تبديله بعملة أخرى في البنوك، لأنه ممنوع من التنوين ولا يقبل علامة الكسر. وفي لغتنا العربية الكثير من الأسماء التي تحمل بطاقة تعريفها في آخرها، كالاسم المقصور الذي نعرفه بألف مقصورة لازمة، مفتوح ما قبلها وظاهرة في آخره، وأخوه المنقوص الذي لا ينقصه شئ، رغم أننا عندما نجد في آخره ياء قبلها كسرة ساكنة بعقد بيع قانوني مسجل في المحافظة العقارية. أما الممدود، وما أدراك ما الممدود، فهو مستريح دائما رغم أن في آخره ألف زائدة رغما عنه، بعدها همزة متطرفة ومبحوث عنها من طرف حروف الجر التي ضربتها يوما بكسرة في آخرها.
أما حروف النّهي، فلا زالت تنهى عن المنكر وتأمر بالمعروف، وفي نفس الوقت تشتكي من تصرفات الفعل المتعدّي الذي أصبح يتعدّى في كل جملة على فاعله، ويتجاوزه إلى المفعول به، بل وإلى المفعول المطلق سراحه في العفو الأخير، وفي جميع الحالات، يستعمل همزة القطع كسلاح أبيض للاعتداء على تلك الحروف الناقصة الأهلية داخل الجملة الاسمية وأمام أنظار حروف العطف، وأنظار شهود آخرين ينفون بتاتا وقوع أي هجوم، لأنهم طبعا من أدوات النفي.
في حالات النحو والإعراب عن المشاعر، يكون الضمير حاضرا بقوة دون معرفة هل هو ضمير حي أم ميت أم غائب. صحيح أن لدينا الفعل الصحيح الذي لم يزر طبيبا ولو مرة في حياته، وأن كلامه صحيح عندما أخبرنا عن الأزمة النفسية التي أصابت اللفيف المفروق، عندما افترق عن النّون الساكنة، نتيجة ظروف، قد تكون ظرف مكان أو ظرف زمان، ومع ذلك تركها ساكنة لوحدها في سكن اقتصادي، فويل لمن أشارت إليه أسماء الإشارة.
وبالمناسبة، نهنئ
جميعا، جمع المذكر والمؤنّث السالم على سلامة العافية من داء كورونا، ومن مضاعفات
حروف العلّة. كما نطلب من الفعل المضارع أن يظل حاضرا في الوسط بين الماضي والأمر،
وأن يلعب دور الحاضر والمستقبل معا، كما نتمنّى ألاّ نكثر من الرجوع إلى الذكريات،
مع الإسراف في استعمال كان وأخواتها، وألاّ نترك مستقبل هذا الجيل أجوفا، معتل
الآخر ومبنيّا للمجهول وغير معلوم، وحتى لا تبقى أحلام شباب اليوم بناة المستقبل،
عبارة عن علامات استفهام في حجم الألف الممدودة، وعلامات تعجب في موضع سكون، تنظر
إلى ضمير مستتر تقديره الله أعلم.
إرسال تعليق