مقدمة.
السياق العام الدولي.
تندرج هذه المبادرة في إطار السياق العالمي، بحيث سبق لمنظمة اليونسكو سنة 1990 أن اعترفت باللغات الأم، باعتبارها حقا من حقوق الانسان المدنية واللغوية والثقافية، وكانت مناسبة كذلك، لتخصيص يوم 21 فبراير من كل سنة كيوم عالمي للغة الأم.
تجدر الإشارة إلى أن هذا الإعلان العالمي، يهدف أيضا، إلى خلق التنوع اللغوي والثقافي والحضاري داخل المجتمعات، لأجل المساهمة في إغناء التراث الإنساني العالمي من جهة، وإلى ابراز خصوصياته الفكرية والفنية والعلمية، كما يسعى هذا الإعلان العالمي إلى الحد من إقصاء اللغات الأم في التربية بشكل عام، وفي منظومة محاربة الأمية وتعليم الكبار بصفة خاصة.
السياق العام الوطني في بداية 2005.
انطلقت بداية الجهود المغربية للحفاظ على اللهجات الأمازيغية منذ سنة 1938، حيث انطلق أول بث إذاعي قصير ناطق باللغة الأمازيغية، وذلك عبر الإذاعة (راديو ماروك)، في برنامج لم تزد مدته عن عشر دقائق، إلى أن وصل اليوم إلى بث خاص في الإذاعة والقناة الأمازيغية، ثم توالت هذه الجهود عبر العديد من المبادرات والمحطات تاريخية نذكر منها:
1) خطاب الملك محمد السادس يوم 17 أكتوبر 2001 في بلدة أجدير، والذي أطلِـق عليه "خطاب أجدير" وهو بمتابة أول اعتراف رسمي باللغة الأمازيغية.
2) إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية سنة 2002، الذي نجح في إعداد اللغة للترسيم، لها معاجم متخصّصة وقواعد صرْف ونحْـو ومنهجيِـة دقيقة للتعليم، كما تم توحيد اللغة بحروف "التيفيناغ".
3) في سنة 2003، تقرّر إدراج الأمازيغية في مناهج التعليم بحروف "التيفيناغ".
4) في سنة 2006، تقرر كذلك دخولها في الإعلام الرسمي، عبر إنشاء قناة الأمازيغية التلفزيونية سنة 2010 وتبعها قرار جواز الاستِـعانة بمترجمين للأمازيغية في المحاكم المغربية.
1) التعريف بمقاربة الممرات اللغوية.
تفعيلا للسياق الدولي والوطني السالف الذكر، تم إعادة النظر في السياسة المنتهجة، قصد ملائمة الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الأمية لخصوصياتنا اللغوية المتعددة، عن طريق توظيف الدارجة واللغة الأمازيغية على مستوى بعض برامج محو الأمية، كمرحلة تجريبية داخل المجموعات السكانية المستهدفة، وكشكل من أشكال التعبير اللساني المبسط، تلتها فيما بعد عمليات التتبع وتقييم الحصيلة، علما أن عدد المغاربة الذين يتكلمون بالأمازيغية، قدرهم المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بنحو 30% من عدد السكان حسب إحصائيات 2004.
يمكن اعتبار مقاربة الممرات
بمثابة مرحلة ما قبل محو
الأمية (Prés-alphabétisation)
وذلك لتدعيم الكفايات والمهارات
التي يسعى برنامج التكوين الأساسي للكبار (محو الأمية).
تعتمد هذه المقاربة على اعتماد اللهجات المحلية (الدارجة أو الأمازيغية) التي هي لغة التواصل اليومي في العديد من مناطق المملكة، في الشهور الأولى من دروس محاربة الأمية، وذلك كمدخل رئيسي لتسهيل وتقريب تعلّم اللغة العربية الفصحى من المستفيدين من برنامج التكوين الأساسي للكبار (محو الأمية).
تتميز هذه المقاربة باستعمال المكون (ة) الدارجة واللهجات الأمازيغية داخل أقسام محو الأمية، للتخاطب مع المستفيدات أثناء شرح الدروس، وطرح الأسئلة بلسانهن والاستماع إليهن ومناقشة أجوبتهن، وبالتالي تمكينهن من آليات المشاركة في قراءة وكتابة حروف اللغة العربية الفصحى بالتدرج، عبر ممرات لغوية مدروسة، وكل ذلك، في مناخ يرتبط ارتباطا وثيقا بالبنية الاجتماعية للمستفيدات وباللغة الأم وبالكينونة الذاتية، وذلك تماشيا مع العادات اللغوية المألوفة لديهن، وبعيدا كل البعد عن استخدام العامية واللهجات المغربية في التدريس.
وفقا لهذا النهج، ستكون
المستفيدة على استعداد تام لتعلم اللغة العربية، وذلك من خلال تعليمها الحروف الأبجدية
ومبادئ القراءة والكتابة، وذلك بناء على الكلمات المشتركة بين اللغة الأم (الدارجة أو
الأمازيغية) واللغة العربية.
أما بخصوص محتوى المادة
التعليمية، فقد تمحورت حول شرح وتبسيط مفاهيم مدونة الأسرة، وهي المنظومة القانونية الجديدة التي تنظم العلاقات
الأسرية، وتسعى إلى تغيير التمثلات الخاطئة تجاه قضايانا المجتمعية، والحفاظ على
حقوق الزوج والزوجة والأطفال عبر المساطر القانونية وغيرها.
2) لماذا مقاربة الممرات اللغوية في برامج محو الأمية؟
لقد تم تطوير هذه المنهجية، المعروفة باسم مقاربة الممرات اللغوية، من قبل مشروع (ألف) ALEF)) ومكتب مكافحة الأمية في المغرب، بالتنسيق مع مديرية محاربة الأمية التابعة لوزارة التربية الوطنية آنذاك، وبالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة (UNIFEM)، والمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (IRCAM)، وبالتعاون مع 28 جمعية محلية.
(مشروع ALEF هو ADVANCING LEARNING AND ENPLOYABILITY FOR A BETTER FUTURE )
3) منهجية مقاربة الممرات اللغوية.
تستغرق المدة الزمنية للمقاربة اللغوية 60 ساعة موزعة على الممرين (30 ساعة لكل ممر)، ويهدف الممر الأول إلى تمكين المستفيدين من اكتساب مهارات رسم ونطق الحروف الهجائية، ثم تعلم كيفية ربطها وتجميعها في كلمات وجمل جد قصيرة بالاعتماد على الكلمات المتداولة في اللهجات المحلية المتداولة من خلال التخاطب اليومي للساكنة المحلية، كما يتم الانتقال التدريجي في الممر الثاني إلى متابعة التعلّمات وإغناء الرصيد المعرفي للمستفيدات.
4) مميزات مرحلة الممرات.
تتميز هذه المراحل بخصائص لا تجدها فيبرنامج التكوين الأساسي للكبار (محو الأمية) منها:
- عدم تصنيف الأنشطة التعليمية إلى القراءة والكتابة والحساب، والتعبير والتواصل والقرآن والمعاملات، كما هو وارد في برامج محاربة الأمية.
- اعتبار الحصة الدراسية في إطار مقاربة الممرات، كلاّ متجانسا تتداخل فيه جميع الأنشطة.
- عدم تصنيف الأعداد إلى وحدات وعشرات ومئات.
- اجتناب استعمال بنيات اللغة العربية أثناء التدريس بالمقاربة في المرحلة الأولى، كاعتماد الحركات والقواعد العربية كالصرف والتحويل الخ.
- الابتعاد عن الكلمات التي يمكنها خلق لبس في المعنى لدى المستفيدين أثناء رسم الكلمة.
- عدم إدراج الكلمات الدخيلة على العربية.
- الاعتماد على الرصيد المشترك بين اللغة العربية واللهجات المحلية.
5) نتائج تجربة محو الأمية باللهجات المغربية.
بعد نهاية برنامج الممرات اللغوية، تم إجراء تقييم شامل للحصيلة النهائية نتج عنه الخلاصات التالية:
* تمكنت المستفيدات اللواتي أتممن 60 ساعة المخصصة لمرحلة الممرات اللغوية، من اكتساب مستوى تعليمي يعادل ذلك المحصل عليه بعد 100 ساعة في البرنامج العادي، وقد تم تأطيرهن من قبل 230 مؤطر ومؤطرة لمحاربة الأمية استفادوا من عدة دورات تكوينية.
* وصلت نسبة المواظبة على الدروس من طرف المستفيدات إلى 90%، وذلك مقابل أقل من 70% في البرامج الأخرى.
* لم تتجاوز نسبة الهدر والانقطاع 2%، في حين يتراوح المعدل الوطني للهدر في أقسام محاربة الأمية بين 15% و20% حسب معطيات المرحلة التجريبية التي استغرقت ما بين 2006 و2007.
* أما بخصوص مستوى استقلالية المرأة، فإن النتائج المحصل عليها ذات أهمية كبرى، إذ صرحت 68% من المستفيدات من البرنامج الجديد، بأنهن أصبحن يتخذن بأنفسهن كل القرارات المتعلقة بحياتهن الشخصية والعائلية. علما أن محتوى برنامج الممرات اللغوية، ارتكز بالأساس حول تقريب مفاهيم مدونة الأسرة من المستفيدات، مع شرح مقاربة النوع الاجتماعي والوعي بالحقوق، وإدراك كيفية إدماج هذه الحقوق في سلوكهن، وقراراتهن وأنشطتهن في مختلف العلاقات اليومية.
* أما نسبة مشاركة النساء في أنشطة التأهيل الحرفي، فقد بلغت 82%.
وبناء على النتائج المحصلة، قامت مديرية محاربة الأمية بتنظيم عدة ورشات للنقاش ولتدارس إمكانية تعميم مقاربة الممرات اللغوية على باقي المناطق، كما تم الشروع في توسيع مجال تطبيق هذه المقاربة لتشمل أكاديمية جهة الدار البيضاء الكبرى، وذلك في الموسم الدراسي 2007 و2008، لتشمل 24.000 مستفيد ومستفيدة في إطار برنامج مشترك، تدعمه المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. كما تبنت خمس جمعيات تطوعية أخرى هذه المقاربة، بالاعتماد على مصادر تمويل بديلة لتنفيذ البرنامج بكل من جهات مكناس تافيلالت، والشاوية – ورديغة، والجهة الشرقية للمملكة.
خاتمة.
وفي يوليو 2011، أقر الناخبون المغاربة دسترة اللغة الأمازيغية واعتبارها لغة رسمية ورصيدا مشتركا لجميع المغاربة، بدون استثناء، ليكون المغرب الدولة العربية الأولى التي تذهب في اتجاه إقرار التعددية اللغوية بشكل رسمي، وهو تتويج لنضال طويل عرفه المغرب خلال العقد الماضي. وفي نفس السياق، أقر مجلس النواب المغربي استخدام الأمازيغية كلغة رسمية في المغرب، ووضع خططا لإدراجها في المؤسسات الرسمية والحياة اليومية.
كما صدر ظهير شريف رقم 121-19-1 صادر في 12 من محرم 1441 (12 سبتمبر 2019) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 16-26 المتعلق بتحديد مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية.
مقتطفات من الدستور المغربي المعتمد في يوليو 2011
".. المملكة المغربية دولة إسلامية، ذات سيادة كاملة، متشبِّـثة بوِحدتها الوطنية والتُّـرابية، وبصيانة تلاحم مقوِّمات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية - الإسلامية، والأمازيغية والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعِبرية والمتوسطية. كما أن الهوية المغربية تتميّز بتبوُّؤ الدِّين الإسلامي، مكانة الصدارة فيها، وذلك في ظل تشبُّث الشعب المغربي بقِـيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء".
الفصل الخامس:
" تظل العربية، اللغة الرسمية للدولة. وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها وتنمية استعمالها. تعد الأمازيغية أيضا، لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مُـشتركا لجميع المغاربة، بدون استثناء. يحدِّد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وكيفيات إدماجها في مجال التعليم وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكّن من القيام مُستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية."
" تعمل الدولة على صِيانة الحسّانية، باعتبارها جزءا لا يتجزّأ من الهوية الثقافية المغربية الموحَّدة، وعلى حماية اللَّهجات والتعبيرات الثقافية المُستعملة في المغرب، وتسهَـر على إنسجام السياسة اللغوية والثقافية الوطنية، وعلى تعلّم وإتقان اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم، باعتبارها وسائل للتواصل والانخراط والتفاعل مع مجتمع المعرِفة، والانفتاح على مختلف الثقافات وعلى حضارة العصر."
" يحدث مجلس وطني للُّغات والثقافة المغربية، مهمَّته، على وجه الخصوص، حماية وتنمية اللغات العربية والأمازيغية، ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية، تراثا أصيلا وإبداعا معاصرا. ويضم كل المؤسسات المعنية بهذه المجالات. ويحدد قانون تنظيمي صلاحياته وتركيبَته وكيفيات سيره."
انتهى بحمد الله
إرسال تعليق