/>head> tags نوستالجيا، ذلك الحنين.
U3F1ZWV6ZTM4NzI4NTMzMTQzODI4X0ZyZWUyNDQzMzMwNzU5Njc1MA==

نوستالجيا، ذلك الحنين.


نوستالجيا، ذلك الحنين.

أيام زمان، كان الكل يحس بالأمان رغم (فلقة) الفقيه في (لمسيد) وعصا المعلم في المدرسة، ومع ذلك لم ننهار نفسيّا ولم نتأزّم عاطفيا من الظروف العائلية، ولم تتعلق قلوبنا بغير أمهاتنا ولم نبك خلف المربيّات عند السفر.

 كانت المدرسة قريبة على بعد كلومترات، نمشي إليها كل صباح وبعد الزوال ولا نحتاج للنقل المدرسي. نحن جيل كنا نتسابق لحمل محفظة المعلم، ولم ندخل المدارس بهواتفنا النقالة، ولم يسمع أحد شكوانا من طول وعرض المناهج الدراسية، ولا حجم المحفظات ولا كثرة الواجبات المدرسية.

جيل لم يستذكر لنا أولياء أمورنا دروسنا، ولم يكتب لنا (غوغل) واجباتنا المدرسية، وكنّا ننجح بدون دروس الدّعم والتقوية، وبدون نقط لا نستحقها. لم نكن نعرف فصل السلط، فللمعلم سلطة وللمسطرة سلطة، وهي سلطات نبلع ريقنا أمامها لأنها تؤلمنا، لكنها جعلتنا نحفظ الآيات ونستظهر جدول الضرب عن ظهر قلب، وهو مرسوم على ظهر الدفتر، وعند اقتراب فصل الشتاء، يأتي عندنا الممرضون والممرضات لتلقيحنا حتى لا ننقرض، فيغرسوا في أذرعنا شوكة أو حقنة لن ننساها ليومنا هذا، لأنها تركت آثارها فوق ذراع كل مغربي ومغربية، حتى أصبحت بمتابة بطاقة هوية، وبصمة جينية وطنية لجيل بأكمله.

عند اقتراب فصل الصيف، يرجع إلينا الفريق الطبي، كي يفرغوا في عيوننا مرهما أو (بومادا)، لدرجة تجعلنا نتلمّس طريق الباب، لصعوبة الخروج من القسم بدون اصطدام بعضنا ببعض.

نحن جيل كنّا نقبّل المصحف وكسرة الخبز، وكنا نستعد للنوم عند انطفاء الكهرباء في المنزل ونواصل الكلام في الظلام. كانت في داخلنا هيبة اتجاه الوالدين، فنظرة من الأب تخرسنا، وابتسامة منه تطلق أعيادا في البيت، ووقع خطواته وهو قادم إلى الغرفة، تكفينا لكي نستيقظ بأعين نصف مفتوحة، فنرى أمهاتنا تخرج صينية الفطور لمنظف الحي ولعمال البلدية.

في ماضينا، كانت أبواب البيوت مشرعة للجيران، فتسمع الترحيب من أقصى مكان، ويتم تبادل أطباق الطعام وهي دافئة، ويطرق أولاد الجيران أبواب بيوتنا ليقولوا: " أمي تسلّم عليكم وتقول هل عندكم بصلة أو ضرس من الثوم". وفوق السطوح المتجاورة بلا حدود، تتبادل الأمهات الزيارات وتقام الاجتماعات الزوالية، وتتساكن الملابس الداخلية والخارجية المنشورة على سطح الغير، فترتبط بعلاقات حسن الجوار مع كامل الاحترام، بين ملابس ذكورنا وملابس إناث جيراننا، تحت حرارة شمسنا، وأمام أنظار الفضوليين من دجاج وحمام وأرانب السطح، إلى حين إزالة المقابض عن الغسيل، فيصبح الآخر أخا لنا في الإنسانية، وتعود لنا ملابسنا معطرة بروائح الرومانسية.

في الماضي، كانت أزقتنا فارغة بعد العاشرة ليلا، ولا يعرف آباءنا مكانا يفتح أبوابه ليلا سوى مركز الشرطة ومستشفى الحي. أيام زمان، كان المثل المغربي عن الجار نابع من الصّدق والصداقة، فكانت وصايا الأمهات لنا تحضّ على الاحترام، فلا تسمع سوى "عَارْ الْجَارْ عْلَى جَارُو"، وإذا غابت الأم عن الدار، فالأطفال أمانة في أعناق جيراننا.

زمان، كانت الصحف تنشر جميع أسماء الناجحين في البكالوريا، وكانت الخبزة النصرانية أي "الكوميرا" أو"البارزيانة" أكثر وزنا وأكبر حجما من يومنا هذا، وكانت ألعابنا متنوعة حسب النوع، فيلعب الذكور "الطرومبية" ولعبة «البي" أو "البيناك"، التي تتألّف من كريات زجاجية صغيرة مختلفة الألوان ومتنوعة الأحجام. وللإناث ألعابهن الخاصة أشهرها "الشريطة"، المكونة من مربّعات كبيرة مرسومة بالطباشير على الأرض في الزقاق وفوق السطوح، فترى الصغيرة تركل حجرا صغيرا بقدمها وتدفعه من دون أن تخرج عن حدود كلّ مربع، وكذلك لعبة القفز فوق "الحبل" دون لمسه، والتي أصابت العديد من الفتيات بالتهاب اللوزتين (الحلاقم) من شدة القفز.

وأمّا اللعبة التي كانت أكثر شيوعاً بين أطفال المغرب فهي "الغميضة" أو "كاش كاش" بالفرنسية، وهي لعبة غنيّة أو فقيرة عن التعريف، ولعلمكم فلعبة القفز على الحبل ولعبة "الغميضة" لا زالتا تمارسان اليوم وفي جميع الميادين، ليس من طرف الأطفال الصغار فقط في الأزقة وفوق السطوح، بل من طرف الكبار وبطريقة فردية وجماعية كلعبة للتسلية السياسية، بحيث لا زال البعض اليوم يقفزون باستمرار من مقعد في الجماعة المنتخبة، إلى مقعد آخر في البرلمان، بدون أن تسقط أقنعتهم. ولا زال الآخرون يمارسون لعبة "الغمّيضة" السياسية، التي تعتمد على اللّعب وراء ظهر النتائج الانتخابية بحجّة التوافقات السياسية، بينما سيظل المواطن المغمض العينين، يبحث ويبحث عن حقيقة الألوان السياسية، ومصداقية الشعارات الانتخابية، والوفاء بالوعود الخطابية التي تسير بعكس اتجاه أقدامنا، حتى يملّ، ثم يتعب، ثم يستسلم لمطرقة الواقع، ليضع رأسه بين رؤوس مطأطئة من المهد إلى اللحد.


تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة