/>head> tags التعددية الحزبية إلى أين؟
U3F1ZWV6ZTM4NzI4NTMzMTQzODI4X0ZyZWUyNDQzMzMwNzU5Njc1MA==

التعددية الحزبية إلى أين؟

 التعددية الحزبية إلى أين؟

تعددت الأحزاب في الملكة المغربية، حيث اقترب عددها من الأربعين حزباً لشعب لا يتجاوز الأربعين مليونا، وأصبحت المنظومة الحزبية المغربية في أغلب مكوناتها، عبارة عن مجموعات ذات مصالح شخصية سواء في الأغلبية أو في المعارضة، تلعب الدور الذي حدد لها مسبقا، وهو تنفيذ سياسة الدولة لا غير، مع إعطائها هامشا صغيرا للتعبير عن الاختلاف الافتراضي في طريقة تنفيذ هذه السياسة المبرمجة سلفا، بدليل أن كل الأحزاب المتعاقبة على السلطة التنفيذية لم تستطع تنفيذ خياراتها ومرجعياتها وبرامجها الاجتماعية والاقتصادية الإصلاحية، وكل ما تم إنجازه من برامج هو نتيجة للتوافق ما بين الأحزاب والدولة.


 إن هذه التعددية التي يصنفها البعض بالظاهرة الصحية، لم تأت نتيجة ولادة سياسية طبيعية بعد مخاض سياسي شهد صراعا بين الأفكار داخل القواعد الحزبية للإجابة على أسئلة الحزب المغربي، بل كل ما في الأمر أن معظم الأحزاب المشاركة في اللعبة السياسية، جاءت نتيجة انشقاقات داخل الأحزاب الأم في غياب الرشد الديمقراطي وحضور الصراعات الشخصية ما بين النخب السياسية، وذلك تحت مراقبة وتحكم الدولة الحريصة على ضبط التوازن المطلوب، سواء بخلق أحزاب جديدة أو منع تأسيس أخرى بطرق وأساليب عديدة، أو القيام باغتيال أي تناوب حقيقي باللجوء إلى عمليات ترويض الأحزاب العتيدة بطريقة ممنهجة رفيعة المستوى وطويلة الأمد، وخلق التناقض في المواقف على مرأى ومسمع الأجيال الصاعدة، مع خلط الأوراق أثناء استعمال الأيادي الخفية لصناعة التركيبة المناسبة، مما يؤدي إلى خلق شروط ملائمة لتقاسم شكلي للسلطة.


إن رسم خريطة سياسية مغربية تضاريسها عبارة عن عشرات من الأحزاب السياسية منها الميتة والنطيحة ومنها التي في غرفة الإنعاش، تشكلت لتصبح لوحة على شكل زليج وفسيفساء مغربي،  الغاية منها كانت ولا زالت، هي الحيلولة دون نشوء كتلة انتخابية بأصوات مليونية مؤثرة في المشهد السياسي، وهي محاولة أيضا لزرع وحصاد الشرذمة السياسية، التي تقوم على تشتيت أصوات الناخبين، وتيئيس الأغلبية الصامتة من العازفين، وبالتالي إضعاف فرص تواجد قطب قوي قادر على الفوز بالأغلبية المطلقة في البرلمان، وذلك تفعيلا للفصل السابع من دستور 2011 الذي ينص على أن " نظام الحزب الوحيد نظام غير مشروع "، وهو ما يمكن تفسيره بكون النظام السياسي بالمغرب لا يسمح بهيمنة حزب واحد على الحياة السياسية، حتى ولو كان ذلك نتيجة الإرادة الشعبية المعبّر عنها في صناديق الاقتراع.


 لقد تم استعمال طرق عديدة لبلقنة الحياة السياسية، وسخر لذلك نمط الاقتراع الحالي ونوعية التقطيع الانتخابي، لكي تفرز الانتخابات دائما أحزابا يخطئها العد، ولا تتكيف لا مع الزمان ولا مع المكان، تحيط بنا شعاراتها وألوانها من كل جهة، ويشنّف الصراخ أسماعنا  بمرجعياتها المشتركة وبرامجها الانتخابية متعددة الصياغة، والتي هي عبارة عن نسخ كربونية طبق الأصل لبعضها البعض، هدفها الوحيد هو النصب على العقول من أجل الشرب من المنبع ثم البصق فيه، فيقاطعها البعض عن قناعة باليأس وفقدان الأمل السياسي، ويصوت لها الآخرون بحكم الظروف الاقتصادية بعد إغوائهم بالرشوة الانتخابية التي تعتبر من الأمراض المنقولة سياسيا داخل الدكاكين الحزبية، في حين أن التجربة أبانت للجميع أن حبل الأمل في التغيير قد انقطع عندما كثر انشغال غالبية المترشحين بالبحث عما يملأ الجيوب والبطون،حتى أصبحت العشرات من الأحزاب المغربية عبارة عن واجهات زجاجية خادعة، ودكاكين مفتوحة في وجوه أصحاب المال والاعمال الذين لا يعبرون عما يريده الناخبون، بل شكلوا لوبيات هي بمثابة عصا موسى تلقف كل شيء، تستمتع بتصفيق الاستحسان ولا تبالي بصفير الاستهجان، خصوصا عندما يتم التحالف مع النقيضين أي زواج المال والسلطة، ونحن نعلم أن زواج الجهل بالثراء يولد الفساد، وعندما يتزوج الجهل بالسلطة فسيولد الاستبداد، أما إذا تزوج الجهل بالدين فانتظروا ميلاد الإرهاب.


الكل يدرك بأن التعددية الحزبية الهجينة ببلادنا قد بلغت سن اليأس، ولم تكن يوما الشرط الجوهري الوحيد للديمقراطية لكونها مكونة من شظايا الأحزاب المجهرية ذات النزعة الفردانية، والتي تمنحنا كل يوم حفنة جديدة من الحزن، ولا تحقن في أضلاعنا حقنة الأمل التي نشتاق إليها اشتياق الصائم للآذان، قد يقول قائل، لا تفكر في المفقود حتى لا تفقد الموجود، فالديمقراطية كالقمر لها أيضا وجه مظلم، سنظل نبحث عن توقيت رجوعها من خلال نبض القلوب، فالناخب الذي يتكئ على ماض مرّ به، ويتطلع إلى مستقبل  سيأتيه وهو منصت إلى هواجس آتية من أعماق نفسه،  لا زال يتمتع بالرجاء ويبحث عن فرصة قيد التكوين ولسان حاله يقول: تذكروا فإن الذكرى ناقوس يدق في عالم النسيان.

                                                   

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة